: آخر تحديث

أمريكا وتركيا.. تقارب أم تعايش المصالح؟  

62
80
56
مواضيع ذات صلة

   أحمد سيد أحمد

 

نجحت سياسة العصا التى تنتهجها إدارة الرئيس ترامب فى إجبار تركيا على الإفراج عن القس الإنجيلى أندروا برانسون المحتجز لديها منذ عامين بعد تحد من جانب أردوغان لفترة كبيرة, وكشفت فى المقابل حجم التناقضات فى السياسة الخارجية التركية, فرغم التأكيدات المتكررة من جانب أردوغان بعدم الإفراج عن برانسون باعتباره إرهابى له علاقة بحركة عبد الله جولن التى يتهمها بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية فى عام 2016 وبعلاقته بحزب العمال الكردستانى, وأن القضاء التركى مستقل, إلا أنه تراجع أمام الضغوط الأمريكية الكبيرة خاصة بعد العقوبات الاقتصادية التى فرضتها فى شهر سبتمبر الماضى برفع الرسوم على الصلب والألومنيوم التركى بنسبة 50% وأدت إلى فقدان العملة التركية الليرة لـ40% من قيمتها, كما أن عملية الإفراج ألقت بعلامات استفهام حول القضاء التركى وكشف زيف استقلاليته خاصة بعد التعديلات الدستورية التى أتاحت لأردوغان تعيين أربعة من أعضاء مجلس القضاء الأعلى, حيث أصبح القضاء التركى أداة فى أيدى أردوغان يستخدمه لأغراض سياسية خاصة فى قمع المعارضة تحت مظلة ودعاوى المحاولة الانقلابية الفاشلة.

قضية برانسون كشفت حجم الأزمة فى العلاقات الأمريكية ـ التركية, فاحتجاز برانسون وتزايد لغة التصعيد من جانب واشنطن ضد تركيا كانت عرضا للأزمة العميقة بين البلدين, خاصة فى ظل إدارة ترامب, فالعلاقات شهدت توترات كبيرة نتيجة للعديد من الملفات والقضايا أبرزها تصدع التحالف الإستراتيجى الذى جمع الولايات المتحدة وتركيا لفترات كبيرة ضمن مظلة حلف الناتو ووجود القاعدة العسكرية الأمريكية انجيرليك فى تركيا، التى لعبت دورا مهما فى الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 وقبلها الحرب على طالبان فى أفغانستان عام 2001, وكان توجه أردوغان نحو التحالف مع روسيا وابتعاده عن التحالف الغربى أحد الأسباب الأساسية وراء هذا التصدع, والذى زاد بشكل كبير بعد مساعى أنقرة للحصول على صفقة الصواريخ الروسية المتقدمة اس 400 والتى تعتبرها واشنطن انتهاكا للعقوبات العسكرية المفروضة على روسيا بسبب تدخلها فى الانتخابات الأمريكية والأزمة الأوكرانية.

ملف سوريا شكل أحد أبعاد الأزمة الأمريكية التركية, فى ظل تقلب وتحول المواقف التركية من التحالف مع الولايات المتحدة والدول الغربية إلى التقارب مع روسيا ومحاولة تقرير مستقبل سوريا وإدارة التفاعلات العسكرية عبر جولات الاستانة وإنشاء مناطق خفض التصعيد, ورسم مسار الحل السياسى بعيدا عن الولايات المتحدة, لكن رهان أردوغان واجه بتحدى الملف الكردى ودور الولايات المتحدة التى تمتلك قواعد عسكرية فى منطقة شرق الفرات واعتمادها على الأكراد فى محاربة تنظيم داعش وتحجيم التمدد التركى ووقف مخططها بمهاجمة مدينة منبج، حيث أبرمت اتفاقا مع تركيا فى يونيو الماضى بتسيير دوريات عسكرية مشتركة وإخراج وحدات حماية الشعب الكردى, المكون الرئيسى لقوات سوريا الديمقراطية من المدينة, لكن تأجل تنفيذ الاتفاق, كما أعلن أردوغان نفسه الأسبوع الماضى, بما يعكس محدودية الخيارات التركية فى التعامل داخل سوريا دون التنسيق مع الولايات المتحدة, التى فى المقابل لديها شكوك فى تركيا واتجهت نحو الاعتماد أكثر على الأكراد.

أيضا الملف الإيرانى يمثل أحد الملفات الشائكة فى العلاقات الأمريكية ـ التركية, خاصة فى ظل التناقض الكبير فى المواقف من إيران, فالولايات المتحدة تنتهج سياسة متشددة تقوم على ممارسة أقصى الضغوط على النظام الإيرانى بعد الانسحاب من الاتفاق النووى ثم فرض العقوبات الاقتصادية, وذلك لمواجهة الخطر الثلاثى الإيرانى المتمثل فى امتلاك إيران السلاح النووى وتطوير برنامجها الصاروخى الباليستى ودعمها للإرهاب فى المنطقة عبر أذرعها الإرهابية مثل حزب الله والحوثيين فى اليمن والميليشيات فى سوريا والعراق, وفى المقابل ترفض تركيا الالتزام بالعقوبات الأمريكية خاصة فى مجال النفط, وسعت لدى الإدارة الأمريكية للحصول على إعفاءات من تطبيق العقوبات مع فرض الموجة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران فى نوفمبر المقبل والتى ستشمل صادرات النفط الإيرانى, وقد رفضت واشنطن منح تركيا هذه الإعفاءات وهو ما يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد التركى فى ظل العلاقات التجارية الكبيرة بين تركيا وإيران.

إشكالية السياسة التركية التى ينتهجها أردوغان هى محاولة المزج بين المتناقضات, مثل التحالف مع قطر والتقارب مع الدول الخليجية الأخرى فى ذات الوقت, كذلك الجمع ما بين تحالفه التقليدى مع أمريكا وفى ذات الوقت بناء تحالفات وشراكات مع خصوم أمريكا خاصة روسيا وإيران, وهو ما ترفضه الولايات المتحدة التى تعتبر أن تركيا لم تعد الحليف الإستراتيجى التقليدى, كما أن روسيا لجأت إلى التحالف مع تركيا لاعتبارات مصلحية وقتية فى محاولة لموازنة النفوذ الأمريكى وإبعاد تركيا عن الغرب، لكن من الصعب أن يصبح تحالفا إستراتيجيا دائما.

منهج أردوغان فى التحالف مع المتخاصمين وضعه محل شك وريبة مع كل الأطراف ويعكس رهاناته الخاسرة, ولذلك فإن الإفراج عن القس الأمريكى قد يؤدى إلى منع التصعيد مع الولايات المتحدة لكنه لن يؤدى إلى تطبيع العلاقات أو عودة التحالف الإستراتيجى التقليدى فى ظل استمرار العديد من الملفات العالقة بين البلدين وستظل العلاقة فى إطار تعايش المصالح.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد