: آخر تحديث

ألمانيا واليمين المتطرف   

64
78
69
مواضيع ذات صلة

  عبدالحق عزوزي 

نُظم الأسبوع الماضي في مدينة كيمنتس الألمانية حفل موسيقي حضره أكثر من 65 ألف شخص تلبية لدعوة السلطات إلى التسامح ونبذ كراهية الأجانب. وتأتي الدعوة بعد المظاهرات العنيفة التي نظمتها أحزاب يمينية بعد مقتل شاب ألماني طعناً في 26 أغسطس الماضي، أوقفت الشرطة على إثرها عراقياً وسورياً، وقال كامبينو المغني في فرقة «توتن هوسن» الشهيرة جداً في ألمانيا: «الأمر ليس معركة يسار ضد يمين، لكنه إثبات، وما يهمّ هو لونكم السياسي: مواجهة حشد من اليمين المتطرف يصبح عنيفاً. من المهمّ جداً أن نوقف هذا التحرك‏»?.


وقد نظمت جماعات من اليمين المتطرف قبل ذلك بأيام مسيرةً في نفس المدينة على خلفية واقعة الطعن، حيث استغلت هاته الواقعة لإذكاء مشاعر الكراهية ضد المهاجرين واللاجئين.
ونظراً لخطورة الحشد الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ ألمانيا الحديثة، أوقفت شرطة مكافحة الشغب مسيرة لنحو 6000 من أنصار حزب «البديل من أجل ألمانيا» وحركة «أوروبيون وطنيون ?ضد ?أسلمة ?الغرب» (?بيغيدا) ?يحتجون ?على ?واقعة ?الطعن، ?وكان ?المتظاهرون ?قد ?تجمعوا ?قرب ?تمثال ?نصفي ?كبير ?لكارل ?ماركس ?في ?وسط ?المدينة ?وأطلقوا ?صيحات ?غاضبة: «?المقاومة»!
وموازاة مع ذلك دعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الألمان إلى التحرّك ضد «الكراهية» التي ينشرها اليمين المتطرف، كما دُعي سكان ثالث مدينة في مقاطعة ساكسونيا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى المشاركة في «تظاهرة عبر النوافذ» تحت الشعار نفسه، وذلك من خلال تعليق رسائل تسامح على شرفاتهم.


كما صرّح المتحدث باسم المستشارة، شتيفان سيبرت، أمام الصحافة قائلا: «ما شهدناه للأسف خلال الأيام الأخيرة، بما في ذلك في عطلة نهاية الأسبوع، هذه المسيرات لليمين المتطرف والنازيين الجدد المستعدين للعنف، لا تمتّ بصلة للحداد على رجل.. لكنها تهدف إلى توجيه رسالة كراهية ضد الأجانب والمسؤولين السياسيين والشرطة»?.
ويبدو أن التعبئة ضد المهاجرين بدأت تؤتي ثمارها على الصعيد الانتخابي. فقد أظهرت الاستطلاعات الأخيرة أن حزب «البديل من أجل ألمانيا» يتقدم في نوايا التصويت (16 بالمائة) وقد بات يحتلّ المرتبة الثالثة بعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي (17 بالمئة).
إن هذا الموضوع، ورغم النوايا الحسنة التي يصرح بها المسؤولون، كان ولا يزال الشغل الشاغل لصناع المرشحين السياسيين وفي الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية، ويكفي الرجوع إلى حمى الانتخابات الأخيرة في ألمانيا للاقتناع بذلك، ولا يمر يوم واحد في ألمانيا وأوروبا دون أن تسمع أو تقرأ في وسائل الإعلام المختلفة عن تساؤلات لا منتهية وحوارات عقيمة عن مدى قابلية تعايش الإسلام مع الديمقراطيات الأوربية، وفي الأشهر الأخيرة أثير جدل كبير عن هاته الثنائية وحمل لواءها العديد من الأحزاب اليمينية المتشددة في أوروبا.‏? 


ولا يمكن أن لا نستحضر هنا تداعيات الخطابات السياسية الأوروبية‏? ?والغربية ?الزائفة ?التي ?تجد ?في ?معاداة ?الإسلام ?والمسلمين ?تجارة ?رابحة ?ومخزونا ?انتخابياً ?لا ?ينفد، ?وكتابات ?الفيلسوف ?الألماني ?الكبير ?يورغن ?هابرماس ?تشير ?إلى ?أن ?العامل ?الانتخابي ?وضرورة ?حشد ?عدد ?أكبر ?من ?أصوات ?الناخبين، ?من ?الأسباب ?التي ?تجعل ?الجسم ?المجتمعي ?الألماني ?مصاباً ?بداء ?الصور ?النمطية ?عن ?الإسلام ?والمسلمين، ?تصبح ?فيه ?فكرة الهوية ?والثقافة ?الوطنية ?في ?مأزق ?كبير، ?وهذه ?الهوية ?يوقد ?نارها ?بعض الأحزاب ?والساسة ?كلما ?أكدت ?استطلاعات ?الرأي ?أنهم ?فقدوا ?مصداقيتهم ?تجاه ?منتخبيهم ?من ?قبيل ?ما ?وقع ?في ?تسعينيات ?القرن ?الماضي ?عندما ?زحف ?آلاف ?المهاجرين ?من? ?يوغسلافيا ?السابقة ?وطلبوا ?اللجوء ?السياسي ?في ?ألمانيا، ?مما ?أثار ?الكثير ?من ?الجدل ?السياسي، ?لكن ?خلافا ?لما ?وقع ?في ?تلك ?الفترة، ?فإن ?الساسة ?الألمان ?أضافوا ?خاصية ?جديدة ?في ?دفاعهم ?عن ?الهوية ?والمرجعية ?الوطنية، ?وهو ?كون ?الثقافة ?الألمانية «?يهودية مسيحية»?.
ما يقع اليوم في ألمانيا وغيرها من البلدان الأوروبية هو نتيجة للخطابات والسياسات الأوروبية السلبية في حق المهاجرين المسلمين منذ عقود، غذتها باستمرار وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وجعلت المسلمين رهائن لحسابات سياسوية وأمنية خلطت بين الأخضر واليابس، بين الهجرة والإرهاب، بين الإدماج والمخدرات والجريمة. وازداد هذا العداء الرسمي الذي يجد له مريدين في المجتمع مع خطر الهجمات الإرهابية بعد 11 سبتمبر 2001 الذي يستعيده كل من أراد جمع أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات.

 

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد