: آخر تحديث

حياة الكويت.. والمزعجات الثلاثة

66
82
78
مواضيع ذات صلة

 عبدالله بشارة

 مع تضاؤل فرص الهدوء في المنطقة وانحسار الآمال في استقرارها ومع تصاعد المواجهات بين إيران وواشنطن وتخشب الوضع في سوريا وتعقيدات اليمن، واستمرار أزمة مجلس التعاون وشلل أنشطته، تنكبّ دول المنطقة على ابتكار التدابير لابعاد افرازات هذه المخاطر على حياتها، مع استحضار صيغ تحقق المطلوب بالعلاج المؤقت، لعل الأزمة تمضي من دون تأثير عليها، هذا ما نراه الآن في محيطنا الخليجي بالاندفاع بالتسلح وشراء الصفقات ظاهرها دفاع وجوهرها سياسة مع اطلالات على أبواب المنظمات الدولية للتنفيس عن خناق سببته الخلافات داخل مجلس التعاون.
ونتابع النشاط السياسي في العراق لتجاوز التباعد بين الطوائف والكتل لبناء جسور تقبلها الأطراف بشكل مؤقت، انتظاراً للحل الدائم.
هذه الحقائق تبث تحذيرات بأن الوقت لن يرحم المغفلين الذين يتساهلون بأمنهم ولا يتوقعون حجم الأضرار التي تخرج من المشاغبات المرافقة لأنظمة مضطربة في فكرها ومبتلية بأمراض في جسدها.
وإذا ما شخصنا منابع المخاطر التي يوحي بها المستقبل، فإننا نقف عند ثلاث بوابات نفكر في محتوياتها الداخلية، ونتناقش بأسلوب يمكننا من التعامل مع إفرازاتها:


أولاً – نطرق باب الأمن والاستقرار ونستذكر تجارب الكويت مع الجوار الجامح شرقاً وشمالاً، ولا مفر من اليقين بأننا نحتاج إلى رادع يتآزر معنا في الحفاظ على حريتنا واستقلال بلدنا وصون لائحة السلوك التي تربينا عليها ولازمة لحياتنا، فمن دون إغلاق الفراغ الأمني المحيط بنا لن تستقر أحوالنا، تعلمنا من التجربة المرة، وقبلنا بالجدار الأخلاقي كرادع وتصورنا الترابط التراثي ونقاوة النوايا والرغبة في التسامح والتعالي على الألم، كلها تشكل منظومة أخلاقية تسمح لنا بتجاوز مرارة الواقع وتصد عنا السيئات.


ودخلنا فصلاً كنا نتحاشاه، ووافقنا على عقد الشراكة الأمني الواسع مع قوى كبرى نلتقي الكثير معها في كثير من المسارات ونختلف أيضا في مسارات أخرى، وهذه القوى تتفاعل مع المحتوى الداخلي في مجتمعاتها، فلها أولويات تختلف وتحليلات تتباعد ومصالح تتباين، وأسلوب حوارات مخالف، ولها رأي عام مؤثر في تحركاتها الخارجية وفي التزاماتها الدولية، ونحن نتواصل معها بحكم لقاء المنافع وتشابه الأهداف، وقد نتجاوز اختلاف الوسائل، لكننا معنيون بالحفاظ على جوهر الشراكة، نتناغم مع هؤلاء الشركاء في ملف الانسانيات وننفي التقصير ونرد الأمر إلى التباين في محرك الثقافات وليس للضيق من حقوق الشراكة.
والمريح في الكويت أن الرأي العام واع لحقوق الشراكة مدرك لمعاني الالتزامات وقابل لضرورات التفاهم، وقانع بالتدابير التي توصلت إليها الكويت، ومتابع للفوضوية الاقليمية ومحتوياتها الخطرة.
وفي هذا المسار تنعم الدبلوماسية الكويتية بدعم مشحون بالرغبة في استمرار التواصل وتوسيع رقعة التعاون، وهذا ما تلتزم به الدبلوماسية الكويتية في ترابطها الخارجي، فنرى المزيد من الصيغ المنعشة للتحالفات ممثلة في الاجتماعات الاستراتيجية مع الشركاء الملتزمين.
وثاني الأبواب يكمن في النفط، جوهر القيمة الاستراتيجية لدول مجلس التعاون والعنصر الأقوى في الاستثنائية التي ترافقها في الدبلوماسية العالمية، وإذا كان النفط هو الذي يصيغ هذه الاستثنائية؛ فالواجب الحفاظ على تميزه، وأهم خطوات حماية النفط من الانحسار هو شرط التعاون مع الدول المستهلكة، فلا بديل عن التفاهم الملزم، المحافظ على أسعار مقبولة لا تؤذي المستهلك وتعطي المنتج نصيبه العادل، مع الإيمان بفوائد التوازن، بالاضافة إلى التعاون في التطوير التكنولوجي للطاقة والتوصل إلى تزاوج بين كبار المستهلكين ودول مجلس التعاون لتأسيس شراكة حول النفط الحجري واقتحام دول الخليج هذا المسار ومن دون ذلك فإن التجديد واستمرار الابتكار الفني سيؤديان إلى اضعاف جاذبية النفط وانحسار محتواه الاستراتيجي، وبالتالي انخفاض المكانة العالمية للمجموعة الخليجية وما يترتب عليها من مزيد من الفوضى في المجتمع العربي.
فأهل الخليج شيدوا الكمون-ويلث Commonwealth، الاقتصادي وأدخلوا النفط في كل بيت عربي، واستفادت ملايين عربية وغيرها من خيرات النفط الخليجي، وماذا سيحل بالعالم العربي من دون العطاء الخليجي الذي أنقذ دولاً وعملاتها من السقوط، معظمها صار تعويمه خليجيا.
والباب الثالث، كمصدر خطر آخر هو الهجرة الزاحفة نحو الخليج الذي – حتى الآن – لم يتعرّض للضغط الشديد لأمواج الهجرة البشرية التي تشهدها أوروبا والسبب يعود إلى حفاظ دول المنطقة على شيء من قوام الدولة، وليس ذلك بمضمون مع تصاعد الضغط عليها ونفور شعوبها من الحياة فيها كما نرى في أفريقيا وسوريا وليبيا، وإذا كنا بعيدين عن أفريقيا، فلا ضمان مع أفغانستان وإيران والجوار العربي، ومن خلال جنوب الجزيرة التي أجبرت المملكة ودول التحالف العربي على صد الغزو الحوثي بدعم إيران.
دول الخليج لا تحتمل المزيد من تواجد الوافدين الذين يشكلون أغلبية في معظم دوله، فهناك شريحة كبيرة منهم تشكل عبئاً، وخارجة على مستلزمات (الاقامة ومن دون شرعية) وقد تبقى ثم تتحول إلى شيء آخر مطالب بحقوق البقاء.
وواقع العالم الحاضر لا يسمح للسلطات المحلية بالتصرف في اختيار الآليات التي تراها لصد هذه الأمواج المهاجرة، فبين حقوق الانسان ومنظماته والاعلان العالمي لحقوقه ومنظمات المجتمع المدني والمتطوعين المتابعين لسلوكيات الحكومات كلها تمارس دورها بالضغط والتحريض ضد هذه الحكومات.
فمن الحكمة وضع خطة وطنية لتطويق المخاطر وابعادها بالعمل الجماعي الخليجي والتعاون مع الهيئات العالمية الباحثة عن حلول لهذه المشكلة المهددة للأمن والاستقرار في أوروبا وفي العالم العربي.
هذه المزعجات الثلاثة الملحة في حياة الكويت، ولا بد من الحذر لكي لا نقترب منها..

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد