: آخر تحديث
منذ عام 2001 تخلد فرنسا ذكراهم في 25 سبتمبر

ذكرى الأطفال الموتى في معسكرات الحركيين بفرنسا تخرج من طي النسيان

52
56
56
مواضيع ذات صلة

باريس: تتوقف العاملة في المقبرة أمام كومتين مهجورتين من التراب قائلة بصوت خافت "إنه هنا". وتنهار عباسية بالبكاء مرددة "آسفة ألف مرة!" قبل أن تضع يدها برفق على قبر بسيط يعود لأحد شقيقيها الصغار في جنوب فرنسا.

في 7 أغسطس 2020، تحت أشعة الشمس الحارقة، جاءت  عباسية دارجيد (68 عام) بعد 57 عامًا من وفاة شقيقيها التوأم، يحيى وعباس، بعد ولادتهما بفترة وجيزة في مخيم الحركيين بفرنسا، لزيارة قبريهما، "القبران 6 و8، في الصفين 22 و25، في المساحة المخصصة المسلمين في المقبرة الغربية، في بربينيان".

 قبل الشروع في البحث، كان يتعين على عباسية أن تنتظر تحقيق الأبحاث الطويلة والدؤوبة للذاكرة والتي قامت بها جمعيات الحركيين القدامى والمؤرخون والعائلات، والتي تكثفت مؤخرًا وساهمت فيها الحكومة الفرنسية، لإنقاذ هذا الجزء المأساوي من التاريخ الفرنسي الجزائري من النسيان.

 أنجبت والدتها، بعد هروبها ونفيها من الجزائر، توأما في ديسمبر 1962، في ظروف صعبة، في مستوصف مخيم الحركيين في ريفسالت (جنوب)، التي تبعد 12 كيلومترًا عن هذه المقبرة. 

وتوفي الرضيعان، بعد أن مرضا ونقلا إلى المستشفى ببضعة أشهر. لكن العائلة لم تتسلم جثتيهما. وقالت عباسية "لم يتمكن والدي سوى من رؤية يد عباس عندما توفي في المستشفى، ولم يعلم والداي شيئًا عن ظروف ومكان دفنهما".

يحيى وعباس ولكن أيضا فاطمة وعمر وجمال ومليكة ... 

منذ نحو 60 عامًا، دُفن العشرات من الخدج أو الأطفال الصغار الذين توفوا خلال إقامتهم في معسكرات الحركيين التي كان يديرها الجيش في فرنسا، دون إجراء مراسم لائقة من قبل أقاربهم أو من قبل الجيش، في المخيمات أو في أماكن قريبة منها، في الحقول، وفي أكثر  الأحيان دون شاهدة تحمل أسماءهم، بحسب المؤرخين والعائلات التي جمعت وكالة فرانس برس رواياتها خلال تحقيق استمر عدة أشهر.

وتشير هذه الروايات إلى أن السلطات دفنت آخرين، كانوا قد توفوا في المستشفى، في مقابر، لكن بغياب أسرهم غالبا ودون إبلاغها بمصير جثث أطفالها. 

زارت رحمة ( 70 عاما)، شقيقة عباسية، وشقيقهما عبد القادر (65 عاما) المقبرة حيث استمعوا إلى صلاة الجنازة باللغة العربية من هاتف محمول.

وقد أعربوا عن استيائهم وصدمتهم لعدم إيلاء أي اعتناء بقبري شقيقيهم، في مقبرة بربينيان.

 ويتساءل عبد القادر وهو ينهمر بالبكاء "أنا لا أفهم ... لا يوجد حتى شاهدة تحمل اسميهما على قبريهما؟".

وتقول عباسية "إنها المرة الأولى التي نحدد فيها مكان" هذه المأساة العائلية. وتضيف "قلبي يخفق بشدة، لكن لا ينبغي السماح بدفن شخص هكذا وتركه بدون شاهدة ...".

ارتفاع معدل وفيات الأطفال 

و"الحركيون" هم المقاتلون السابقون - نحو 200 ألف رجل - الذين تم تجنيدهم للقتال إلى جانب الجيش الفرنسي أثناء حرب الاستقلال الجزائرية (1954-1962) بين جبهة التحرير الوطني وفرنسا. 

منذ عام 2001، تخلد فرنسا ذكراهم في 25 سبتمبر تقديرا لـ "التضحيات التي قُدمت".

 في نهاية هذه الحرب، التي اتسمت بالفظائع والتعذيب وخلفت صدمة في المجتمعين الجزائري والفرنسي، تخلت فرنسا عن الحركيين - المتحدرين غالبًا من أوساط  ريفية ومتواضعة - ، وقتل العديد منهم في مذابح انتقامية في الجزائر.

 وتروي عباسية كيف تعرضت عائلتها لهجمات عديدة شنتها جبهة التحرير الوطني، بسبب تعامل شقيقها ووالدها مع الجيش الفرنسي. وتظهر على أختها ندبات ناجمة عن إصابتها بشظايا قنبلة يدوية. 

 لكن غداة اتفاقية إيفيان في عام 1962، التي كرست هزيمة فرنسا في الجزائر، رفضت الحكومة الفرنسية الترحيل الجماعي لهؤلاء الحركيين.

 لكن الجيش نقل حوالي 42 ألف رجل، رافقهم أحيانا زوجاتهم وأطفالهم، إلى فرنسا حيث اقاموا في مخيمات. فيما عبر حوالي 40 ألف شخص عبر القنوات غير الشرعية. ووصل إلى فرنسا ما بين 80 و90 ألف شخص، معظمهم بين عامي 1962 و1965. 

 في فرنسا، لم يتم اعتبار الحركيين وعائلاتهم على الفور من قبل السلطات كعائدين وإنما كلاجئين. وعلق عشرات الآلاف من الأشخاص في "معسكرات عبور وإعادة تصنيف" يديرها الجيش، في ظل ظروف بائسة وصادمة في كثير من الأحيان، وأحيط بعض المخيمات بالأسلاك الشائكة وخضعت للمراقبة.

 وتكمن الحقائق المجهولة في أن من بين الأشخاص الذين ماتوا في هذه المعسكرات، كانت الغالبية العظمى من الأطفال الذين ولدوا ميتين أو الرضع، وفقًا للإحصاءات التي اطلعت عليها وكالة فرانس برس والتي وضعها المؤرخ عبد الرحمن مؤمن، أحد المتخصصين في الحرب الجزائرية الذين يعملون على تحديد مواقع الدفن. وتم تكليفه، منذ عام 2015، من قبل هيئة قدامى المحاربين وضحايا الحرب.

في مخيم ريفسالت، الذي يبعد حوالي خمسة عشر كيلومترًا عن البحر المتوسط، توفي ما لا يقل عن 146 شخصًا، بينهم 101 طفل، تقل أعمار 86 منهم عن عام واحد. وفي مخيم بورج لاستيك (وسط)، الذي افتُتح من يونيو إلى أكتوبر 1962، كان جميع المتوفين والبالغ عددهم 16 من الأطفال، وفقًا لتقرير رسمي نُشر عام 2018. وفي مخيم سان موريس لاردواز (جنوب)، دُفن عشرات الأطفال في المنطقة، وفقا للجمعيات.

 وقالت وزيرة شؤون الجيش جنفييف داريوسيك، المكلفة بالذاكرة والمحاربين القدامى، في مقابلة مع وكالة فرانس برس "كان هناك ارتفاع في معدل وفيات الأطفال المرتبط بالتأكيد بالظروف المعيشية الصعبة والرعاية الطبية التي لم تكن على المستوى المطلوب".

وارجع المؤرخون هذه الوفيات العالية إلى الظروف القاسية للغاية في الخيام خلال فصل الشتاء في عامي 1962 و1963 الذين اتسما بالبرد الشديد وإلى الأمراض وإلى وباء  الحصبة في سان موريس. وذلك بالإضافة للحالة النفسية للأمهات اللواتي غادرن وطنهن وأضعفتهن صدمات الحرب والنفي المتسرع، والولادة في ظروف بائسة.

وتبرز مأساة أخرى تكمن في اختفاء قبور هؤلاء الأطفال المدفونين دون مراسم لائقة، مع مرور الوقت، تحت الحشائش أو العليق أو الكروم لتجسد أشباح الماضي المؤلم التي دفنتها عائلات الحركيين السابقين في أعماقها وجعلها   المجتمع الفرنسي في طي النسيان.

"غير لائق" 

ويتمثل ذلك في حكاية حسين عرفي، الذي رأى والده بينما كان في السادسة من عمره وهو يدفن شقيقه الميت بيديه في معسكر ريفسالت، دون أن يتمكن من العثور على "المكان بالضبط" بعد ذلك.

 وفي الجزائر، شهد محاولة اغتيال والده، أحد الناجين من اعتداء بالسكين، ومشاهد "ذبح النساء والأطفال" بينما كان في طريقه إلى المنفى. 

 في تلك الليلة، من نوفمبر 1962، أنجبت والدته في مستوصف مخيم ريفسالت، باشراف ممرضة طفلاً ولد ميتًا. و"جلب الجنود الأم والطفل على نقالة" خلال الليل. بعد استيقاظه على صوت النحيب، ظل حسين "متأثرا  مدى الحياة" برؤية "دم أمه" وجسد الطفل الممد بالقرب من والدته. 

 ويروي حسين أنه في صباح اليوم التالي، "وصل جنديان إلى خيمتنا وأعطيا والدي فأسًا؛ وأروه المكان الذي يمكنه دفن أخي فيه (...) لم يكن لدى والدي حقًا خيار".

 واضاف حسين، ذو الوجه النحيل والجاد، الذي ساعد والده في الدفن "ما زلت أرى والدي يحفر الحفرة، لم أكن أعي شيئا ... عندما لف الطفل بالكفن، شعرت بالصدمة".

 وتابع "أتذكر أنه تلا صلاة صغيرة باللغة العربية ثم أخذ الفأس وساعدته في غمر الجسد بالتراب".

ما جرى "غير لائق"، بحسب حسين البالغ من العمر 63 عامًا والذي أصبح شخصية نشيطة في النضال من أجل قضية الحركيين والتقته وكالة فرانس برس هذا الصيف في سان لوران دي أرب (جنوب)، التي تبعد بضعة كيلومترات من المعسكر السابق للحركيين في سان موريس لاردواز، الذي انتقلت إليه عائلته بعد ريفسالت. وكرس جزءًا من حياته لمساعدة العديد من العائلات الفقيرة من الحركيين السابقين وأنشأ جمعية "حركة التنسيق".

 منذ صغره، يتساءل "كيف حدث هذا في فرنسا" بينما كان والده "من المحاربين القدامى في الجيش الفرنسي؟" وقال  "لقد تم اعتبارنا شهودًا مزعجين على حرب قذرة، غير مرغوب فيهم". 

 لماذا لم يتم دفن غالبية هؤلاء الأطفال حينها في مقابر البلديات المحيطة بالمخيمات؟ 

 وتجيب داروسيك على سؤال لوكالة فرانس برس قائلة "لا أعرف". 

وأضافت "كان هناك اعتراف من أعلى السلطات في الدولة الفرنسية بأنه تم استقبال الحركيين، هؤلاء الفرنسيين، بشكل سيء للغاية عند وصولهم إلى فرنسا في ظل ظروف صعبة وغير لائقة".

وأضافت أنها لا "تعتقد أن هناك رغبة متعمدة لمحو هذا الماضي والتظاهر بأننا لا نسعى إلى المعرفة، وأننا لا نحدد مواقع الدفن هذه. ... فرنسا لم تكن مستعدة لاستقبالهم كانت هناك إدارة سيئة".

نسيان 

وأشار المؤرخ مؤمن إلى "الوضع الفوضوي الذي خيم على إدارة وصول آلاف العائلات" - حيث مر 22 ألف شخص عبر ريفسالت. 

كان عدد الأشخاص الذين شهدوا هذه الفترة، من العائلات والجنود وطاقم التمريض، قليلًا. وساهم تشتتهم وانتقالهم ومن ثم انتقال الحركيين، في النسيان. 

ويرى أن "فترة ما بعد الاستقلال، ولا سيما مسألة الدفن والمقابر هذه، تندرج ضمن هفوات الذاكرة هذه".

وفي الوقت نفسه، فإن "تشتت العائلات التي غادرت بسرعة" إلى أماكن أخرى في فرنسا ورغبة بعض الآباء في دفن الطفل بسرعة احترامًا لتقاليد الدفن الإسلامية، قد ساهم في النسيان.

  وتابع أن "همهم الأساسي كان العثور على سكن وعلى عمل مع صعوبة عدم إتقان اللغة الفرنسية بالنسبة للكثيرين"، إضافة إلى البحث عن أفراد عائلاتهم المبعثرين في فرنسا أو الجزائر، وحماية أنفسهم من بعض الأعمال الانتقامية ضد الحركيين التي استمر مقاتلو جبهة التحرير الوطني بتنفيذها على الأراضي الفرنسية حتى عام 1965.

وذكرت فاطمة بسناسي لانكو لفرانس برس، وهي مؤرخة ومتخصصة في الحرب الجزائرية التقت قبل بضع سنوات لاعداد كتاب أكثر من 70 امرأة من الحركيين واللواتي وصفن لها حدوث الولادات "في خيمة في الشتاء، دون تدفئة وبدون ماء"، حيث كان يتعين على الازواج "البحث عن الثلج وتذويبه في افواههم لغسل المولود ... ". 

وتشير المؤرخة، وهي ابنة حركي عاشت 15 عامًا في هذه المخيمات منذ أن كانت تبلغ من العمر ثماني سنوات، إلى الانتقال ومعاناة هؤلاء الشابات اللاتي اضطررن إلى الولادة بمفردهن، دون وجود الأم المطمئن وبدون إقامة الطقوس الجزائرية التقليدية. 

وأكد مؤمن "إن هؤلاء النساء يرغبن بنسيان هذه المآسي". واعتبر أن "العودة لزيارة القبور كانت أيضًا العودة إلى تلك الأشهر التي قضوها في المخيمات التي كانت صعبة جدًا على العائلات".

 وعاد البعض بعد 30 أو 40 عامًا إلى ريفسالت، لكن الأرض تبدلت تماما.

  وفي ذلك الحين، كان يخشى من الحديث عنها. وأشارت عباسية "كان الأمر كذلك؛ لم يجرؤ آباؤنا على طرح الأسئلة، لكنهم عانوا كثيرًا".

 وقال عرفي "كان والدي يخشى التمرد كي لا يتم ترحيله إلى الجزائر ... فالتزم الصمت وعشنا هكذا".

 وصار الحديث عن تلك المحنة من المحرمات داخل العائلات.

 وتبدو رواية دهبية عمران (86 عام)، التي خطت التجاعيد وجهها الأسمر، مؤثرة للغاية.

كانت حاملاً بتوأم عندما اضطرت للفرار من الجزائر عندما كانت في الثامنة والعشرين من العمر برفقة زوجها الحركي. في تشرين الثاني/نوفمبر 1962، ولدت في إحدى خيم معسكر ريفسالت. ووُضع الأطفال في حاضنة لأسابيع في المستشفى.

مات عمر الصغير في يناير 1963. ودُفن في مكان ما في المخيم على يد "والده وأبناء عمومته". وقالت باللغة القبيلية لوكالة فرانس برس "الله منحنا إياه ثم أستعاده؛ إن هؤلاء الأطفال ملائكة"، بينما كانت تجلس في حديقة منزلها في موان-سارتو، جنوب شرق فرنسا. 

لم تتمكن الأسرة، التي انتقلت بعد ذلك إلى منطقة أخرى، من العثور على مكان الدفن هذا إلا بعد مرور أكثر من 50 عامًا. 

"اكتشاف تاريخي"

وتكلل، مؤخرا، العمل الدؤوب لعبد الرحمن مؤمن وعائلات الحركيين والجمعيات المحلية والهيئة الوطنية للمحاربين القدامى وضحايا الحرب بالكشف عن الأسماء الأولى لبعض هؤلاء الأطفال.

 وكُتبت بخط لامع على شواهد المقابر التي تم تجديدها، كما هي الحال في بورج لاستيك، حيث تم منذ عام 2015 تجديد 11 مقبرة للأطفال المدفونين في المخيم القديم وحيث تم تخصيص مكان للزيارة.

 كما يجري العمل على تحديد أماكن الدفن وإقامة الشواهد في مناطق أخرى.

 وسيقوم مؤمن من خلال "التحقق من عدة مصادر" من "إثبات صحة الفرضية" بوجود " مقبرة للحركيين" في مخيم ريفسالت، والتي كانت مجهولة حتى الآن.

وانجز العمل بفضل جمع الشهادات والبحث في سجلات الأحوال المدنية وتحليل الصور الجوية للمخيم التي تغطي فترة الأربعين سنة الماضية واكتشاف مراسلات تعود إلى 1980/81 في أرشيف المقاطعات. 

وأثمر هذا العمل الضخم، الذي تم بمساعدة الجمعيات، واستمر لعدة سنوات، حيث تم العثور، منذ عام 2018، على حوالي أربعين عائلة فقدت أحد أفراد أسرتها في ريفسالت وتم تحديد موقع دفن حوالي خمسين شخصًا ماتوا في المعسكر.

  قررت السلطات الفرنسية أخيرًا عدم البحث والنبش عن الهياكل "التي تفككت بالتأكيد" بعد أكثر من 50 عامًا وفقًا لتحقيق أجرته هيئة الآثار الوطنية، وتعود الرفات بمعظمها إلى أطفال.

 ولكن الآن، أقيم نصب بجوار موقع الدفن تخليدا لأولئك الذين ماتوا في هذا المعسكر، وافتتحته الوزيرة الفرنسية داروسيك في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

وقال المؤرخ "عندما تأكدنا من وجود هذه المقبرة، قلت لنفسي ’ربما سنساهم في التخفيف عن هذه العائلات’ و الإجابة عن تساؤلات قد تكون مروعة".

 ولفت مؤمن إلى "الفرضيات التي قد تبادرت إلى أذهان العائلات: ماذا حدث لهذا الطفل وذاك، هل هم بالفعل متوفون؟".

 في مناطق فرنسية أخرى، تواصل الجمعيات سعيها من أجل تحديد مواقع الدفن، كما هي الحال في معسكر سان موريس لاردواز.

 وهكذا قاد عرفي فريق وكالة فرانس برس إلى موقعين في المنطقة حيث أكد أنه تمكن من إثبات دفن "39 طفلاً وأربعة بالغين" ماتوا في المخيم.

 وأشار عرفي بيده إلى أحد حقول الكرمة في نهاية طريق متعرج قائلا "لقد مر 30 عامًا منذ أن أخبرنا السلطات أن أطفالًا دفنوا في هذه الحقول ... نحن الآن في عام 2020، حدث ذلك في عام 1963 ... لا شيء يشير إلى وجود أناس مدفونون هنا!".

وأكدت جمعية أركان المحلية، التي تبحث منذ سنوات عن أماكن ذاكرة الحركيين، أنها حققت مؤخرًا "اكتشافًا تاريخيًا" مع وجود مقبرة أطفال أخرى في المعسكر الحالي في سان لوران دي زارب، والتي كانت السلطات على علم بها منذ.... 41 عاما.

وشاهد فريق وكالة فرانس برس أن الأرض اليوم أصبحت عبارة عن أرض مزروعة باشجار السنديان، على حافة طريق.

 وتمكنت العضو في الجمعية نادية غوافرية (47 سنة)، وهي ابنة حركي ومر أهلها بمخيم سان موريس، من خلال سعيها الشخصي لنبش ماضيها والبحث لمدة عامين في الأرشيف المحلي، من اكتشاف ملف يدعى " مقبرة مؤقتة لمخيم سانت موريس لاردواز" يحتوي على "تقرير من الدرك وخطة توضح بالتفصيل موقع هذه المقبرة وسجل الدفن". ويضم السجل أسماء 71 شخصًا لقوا حتفهم أثناء إقامتهم في مخيمات سان موريس ومعسكر مجاور لشاتو دولاكور. تمكنت وكالة فرانس برس من الإطلاع حصريا على هذه الوثائق.

 وتقول ناديا "31 طفلاً دفنوا في هذه المقبرة المؤقتة وفي عام 1979 بقي 22 قبراً، معظمهم من الأطفال والرضع والأطفال المولودين ميتين".

وأوضحت أن السبب الذي أورده التقرير هو "عدم وجود مساحة في البلديات المحيطة بمعسكر سان موريس لأردواز" مضيفة "تم فتح هذه المقبرة خصيصًا لاستيعاب هؤلاء الأطفال مؤقتًا. هل أصبح هذا المؤقت نهائيًا؟ ...".

"عدم إثارة ضجة" 

ويشهد التقرير على أن السلطات في ذلك الوقت كانت تعلم بوجود هذه المقبرة. بل إن معدي التقرير يوصون بعدم "إثارة ضجة حول القضية التي من شأنها أن تؤدي إلى حدوث تطورات مؤسفة، خاصة إذا تم لفت انتباه المسؤولين عن حركة الدفاع عن العائدين من الجزائر، الحركيين السابقين".

وأضافت ناديا "إن ما يثير الغضب هو تعمد التستر على وجود هذه المقبرة" وذلك رغم الطلبات المتكررة التي رفعتها الجمعيات المحلية للسلطات.

وتساءلت جمعية أراكان عن سبب عدم استجابة السلطات الفرنسية، التي أخذت علما في عام 1979 بوجود هذه المقبرة بينما كان من الممكن العثور على جثث الأطفال وتسليمها إلى ذويهم بفضل التواصل مع جمعيات الحركيين.

وطالبت نادية "الدولة الفرنسية بإجراء بحث للعثور على رفات هؤلاء الأطفال والاتصال بالوالدين ودفن هؤلاء الأطفال بطريقة لائقة ووضع شاهدة".

وأضافت "هؤلاء الأطفال منسيون في تاريخ فرنسا" و"تعرض آباؤهم للخيانة مرة ثانية".

 وردا على سؤال لوكالة فرانس برس حول هذا التقرير، أجابت أن ليس لديها علم بالأمر مضيفة "لكن إذا كانت أماكن الدفن هذه موجودة، فمن غير الطبيعي عدم إبلاغ العائلات عنها في ذلك الوقت"، معربة عن أملها باستمرار الجمعيات والسلطات المحلية في العمل سوية في سان موريس لاردواز خاصة "من أجل كشف الأماكن وتحديدها لنجعل منها أماكن للتخليد".

 العفو 

 يقيم علي عمران، منذ زياراته شاهدة القبر في ريفسالت  الحداد ويشعر "بالفراغ" الذي خلفه غياب شقيقه بطريقة مختلفة موضحا "أقول لنفسي، التوأم في مكان ما ويبقى شيء من ذكراه".

 ويقاسمه هذا الشعور "بالارتياح" عرفي عندما يفكر في شقيقه. "نعلم أنه لم يعد مجهولا ... ومن وقت لآخر، سنذهب لزيارته".

وأشارت عباسية إلى أنه عند اكتشاف مكان قبري شقيقيها في بربينيان "اطمأنت نفسها" وصارت مستعدة "للحداد (عليهما)".

 وفي مشهد مؤثر ينفجر عبد القادر بالبكاء ويقول لوكالة فرانس برس "أشعر أن التوأمين يغفران لي لأنني جئت لرؤيتهما اليوم ...".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار