: آخر تحديث

مؤتمر المونولوج الوطني!

4
4
5

"حاكي حالك وراح تسمع أحسن جواب"؛ مقولة سويدية، ترجمتها إلى العامية السورية تعطي تعبيراً أكثر تطابقاً من الفصحى. هذا بالضبط ما تفعله إدارة أحمد الشرع في سوريا، فمن مؤتمر النصر الذي اقتصر على الفصائل المسلحة ذات التوجه الإسلامي، والذي جاء استمراراً ومتابعة لعملية الاستمرار في السلطة ومبايعة الشرع من قائد للعمليات العسكرية إلى رئيس للدولة، ومن المرحلة المؤقتة إلى الانتقالية، ومن ثم إصدار قرارات لم تكن فقط في مجملها متوقعة، بل كان قد تم عملياً تنفيذها أيضاً، وبالتالي جاء ذلك التجمع الفصائلي ببساطة لاكتساب ما يسمى بالشرعية الثورية ليس إلا.

حديثاً عقد تجمع مماثل لكن على المستوى المدني تحت مسمى "مؤتمر الحوار الوطني"، والذي استمر في التوجه الأحادي نفسه، بدءاً من اختيار أعضاء اللجنة التحضيرية، مروراً بانتقائية أسماء المدعوين إلى المشاركة في المؤتمر، ثم وصولاً إلى بيان ختامي مرتبك لم يتضمن سوى عموميات.

الإدارة الجديدة في دمشق لا تستطيع إخفاء رُهاب مشاركة القوى السياسية المنظمة ضمن أحزاب أو حتى مؤسسات مدنية تمثل أطيافاً واسعة من المجتمع السوري، ولذلك تلجأ إلى مشاركة الأفراد الذين في واقع الأمر لا يمثلون إلا أنفسهم.

لا بد من الاعتراف بأن هناك حاجة ماسة إلى الإسراع في الخروج من حالة الفراغ السياسي والدستوري في البلاد للتمكن من البدء في عملية البناء، لكن ذلك لا يتحقق بالقفز على مبادئ الثورة التي قادها السوريون في مواجهة آلة النظام البائد، وفي مقدمة تلك المبادئ التعددية السياسية وتداول السلطة.

إقرأ أيضاً: خيارات أحمد الشرع وإدارته

أن نزجَّ بأكثر من أربعمئة شخص في قاعة للمؤتمرات، وفي مهلة زمنية لا تتجاوز يومين من الوقت، لمناقشة ملفات هامة وشائكة، ومن ثم الخروج بتوصيات، ما هي إلا محاولة فرض حلول سهلة لجملة من الإشكاليات الكثيرة التعقيد، ولا يختصر المسافة، بل يعرقل السير في اتجاه بناء الدولة. علينا ألا ننسى أن كل ما تقوم به إدارة الشرع في دمشق هو تحت المجهر شعبياً وإقليمياً ودولياً، وهناك شروط للتخلص من العقوبات الدولية، التي دون الخلاص منها لن يستعيد البلد عافيته، ولن يساهم في تخفيف معاناة السوريين، لا في الداخل ولا في مخيمات الشتات.

لا شك أنَّ استبعاد الأطراف السياسية من المشاركة في الحوار الوطني يُترجَم على أنه عملية احتكار للسلطة في أيدي شريحة محدودة، وترسيخ لمبدأ الأغلبية العرقية والمذهبية، وهذه المرة تحت مسمى المواطنة السورية، وهي على الأغلب كلمة حق ربما يراد بها باطل. فمن أجل أن نكون مواطنين متساوين، لا بدَّ في البداية من الاعتراف بحقوق المواطنة الجمعية المتساوية قبل الفردية، من لغة وثقافة وعادات وتقاليد وعقائد.

إقرأ أيضاً: هل معركة دحر قسد هي التالية؟

استبعاد ممثلي الحركة الكردية في سوريا، بمحوريها التابعين لكل من المجلس الوطني الكردي، الذي بقي في صفوف المعارضة السورية حتى سقوط منظومة الأسد، ومجلس سوريا الديمقراطي (مسد)، الذي يضم شريحة واسعة من مكونات شمال شرق سوريا تحت مظلته من كرد وعرب وسريان، ليس محض صدفة، بل هو هروب ليس فقط من استحقاقات المواطنة المتساوية، بل أيضاً محاولة طمس الاختلافات الأيديولوجية الكبيرة والاستئثار بإدارة البلد. التذرع بأن مطالب المكون الكردي محاولات لتقسيم سوريا، وأن هناك الدروز والعلويين والشركس والتركمان، وتطول القائمة، يعد خلطاً كبيراً في الأوراق، إما لضحالة المعرفة، لأنه لا يمكن مقارنة الاختلافات الطائفية والمذهبية، ولا حتى العرقية المحدودة العدد، مع مكون يتجاوز عدد سكانه أكثر من 15 بالمئة من نسبة المواطنين السوريين، أو عن معرفة ولكن لتمييع الاستحقاقات الكردية القومية. ولا يمكن التعويل على مجرد الحديث بأنَّ المكون الكردي جزء من النسيج المجتمعي السوري، وهذا صحيح، لكنه مجرد كلام عمومي لا يمكن البناء عليه. وحتى بشار الأسد المخلوع نفسه كان يقول ذلك، لكن نظامه كان يمارس أقسى أنواع التمييز العنصري بحقهم.

ما تفعله إدارة أحمد الشرع من تجاهل للقوى والهيئات السياسية قد ينجح حيناً، لكن ذلك لن يجدي نفعاً على المدى البعيد دون مشاركة حقيقية في صنع مستقبل سوريا لكل السوريين، وذلك لن يحدث دون توافق سياسي، ومن خلال حوار وطني سوري - سوري جاد وشامل حول مختلف الملفات الشائكة وغير الشائكة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف