: آخر تحديث

ألَا فلتبكي أبا تركي البواكي

9
9
7

في يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من رجب عام 1446ه الموافق للثامن والعشرين من كانون الثاني (يناير) عام 2025م، نعى الديوان الملكي السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود ثاني أبناء الملك فهد رحمهما الله، وأمير المنطقة الشرقية منذ الثالث من آذار (مارس) عام 1985م وحتى الرابع عشر من كانون الثاني (يناير) عام 2013م عن عمر ٍ ناهز الخامسة والسبعين عاماً؛ وبرحيل الأمير محمد، تفقد المملكة واحداً من أنبل رجالها المخلصين، حيث قضى سنوات عمره خادماً لدينه وملوكه ووطنه وبني وطنه سواءً عندما كان في العمل الحكومي أو حتى بعد تقاعده.

وللأمير محمد بن فهد رحمه الله قصةٌ تُروى خلال خدمته في إمارة المنطقة الشرقية، فقد كان لعمله في القطاع الخاص ثم العمل الحكومي أثره الواضح في قدرته على تصريف الأمور لإلمامه التام بخصائص كلا القطاعين، وكذلك دعمه الدائم للعمل المشترك بينهما لخدمة المواطنين، حيث شرع منذ تعيينه أميراً للمنطقة الشرقية برسم رؤية استشرافية مستقبلية لتنمية المنطقة ذات بُعدين، البعد الأول ينطلق من واجباته ومسؤولياته الوظيفية كأمير للمنطقة يعمل على ضمان تنفيذ الخطط التي رسمتها الدولة لتنمية المنطقة كباقي مناطق المملكة، أما البعد الثاني فتمثّل في تحفيز المجتمع بكافة فئاته وقطاعاته للنهوض بالعمل التكاملي مع أجهزة الدولة لأجل التنمية المستدامة بالمنطقة. وقد قامت رؤية الأمير محمد بن فهد ببُعديها على عدة أسس لعل من أبرزها: العطاء والإنجاز لا ينبغي أن تحدّه الواجبات الوظيفية العامة، تجسيد العمل التكاملي، الشباب دعامة الأمة ومستقبلها، توظيف نتائج البحث العلمي في صناعة القرار، المنطقة الشرقية عاصمة الصناعات الخليجية، التعليم الأهلي رديف للتعليم الحكومي، وبعد أن وضع الأمير محمد بن فهد رحمه الله رؤيته لتطوير وتنمية المنطقة الشرقية انتقل إلى تجسيد الجهود للانطلاق نحو تحقيق هذه الرؤية فتم إثر ذلك تحقيق العديد من المنجزات في مختلف المجالات والتي شملت: تطوير البنية التحتية المتمثلة في الطرق والكهرباء، الصناعة وتشمل الصناعة البترولية والصناعات الأساسية وإنشاء المدن الصناعية، الموانئ والسكك الحديدية، التجارة والخدمات، السياحة والترفيه، الخدمات الصحية، الزراعة، التعليم والتطور العمراني.

لقد اهتم الراحل الكبير بالشأن الاجتماعي ولم يدّخر وسعاً أو جهداً للتصدي للمشكلات المحدقة به والتغلب عليها باتخاذ العديد من المبادرات فلم يحصر اهتمامه في مجال واحد من مجالات التنمية الإنسانية بل تعددت اهتماماته لتشمل تنمية الإنسان بمفهومها الشامل وذلك بدعم العلم والإبداع والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء والمحتاجين من أفراد المجتمع ووضع البرامج التي تساعدهم في ممارسة حياتهم بكل اطمئنان مع توفّر حاجاتهم الحياتية الأساسية وغيرها من المبادرات والبرامج العديدة. ومن هنا كان لا بدّ من وجود مؤسسة شاملة تعمل على تقديم الخدمات الإنسانية لكافة شرائح المجتمع فتم إنشاء مؤسسة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز للتنمية الإنسانية وهدفها الأساس إيجاد حلول ومبادرات إبداعية للمشاكل وتعمل برامجها على صياغة مشاريع تنموية تستهدف فهم طبيعة هذه المشاكل ووضع الحلول المناسبة لها وتطبيقها على المجتمعات المستهدفة من أجل إيجاد أفضل السبل لمواجهة هذه المشكلات؛ إن الحديث من مبادرات الراحل الكبير لا يمكن اختصارها في سطور محدودة لكن عزائي بأنها معلومة لكل محب له وللوطن ورجالاته.

في طفولتي، لم أكن أفرّق بين الأمير محمد بن فهد وشقيقه الأكبر الأمير فيصل بن فهد رحمهما الله سوى بالنظّارة الطبيّة التي كان يرتديها الأمير فيصل؛ شاهدت الأمير محمد رحمه الله لأول مرة على شاشة التلفزيون وأنا لم أتجاوز التاسعة من عمري وهو يتوّج فريقي المفضّل الهلال بعد فوزه على الاتفاق في نهائي كأس الاتحاد السعودي لكرة القدم (كأس الأمير فيصل بن فهد لاحقاً)، الذي أقيم في الدمام عام 1987م، لقد كانت مساحة زمنية طويلة عشتها أنا وأبناء جيلي كانت كافية لجعل شخصية بحجم الأمير محمد بن فهد تعيش معنا على امتداد السنوات بحضوره المميز في المحافل بمختلف أنواعها، وكان أعلى ذروته دوره التاريخي في قيادة السيارة التي أقلّت صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة صبيحة الغزو العراقي الغادر من منفذ الخفجي الحدودي إلى الدمام بتوجيه مباشر من والده الملك فهد بن عبدالعزيز رحمهم الله جميعاً، العزاء كل العزاء لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظهما الله ورعاهما وصاحبة السمو الملكي الأميرة جواهر بنت نايف بن عبدالعزيز آل سعود أرملة الفقيد وصاحب السمو الملكي الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود وزير الدولة عضو مجلس الوزراء وكافة أشقاءه وشقيقاته وعموم الأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي قاطبة.. إلى جنة الخلد أبا تركي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف