: آخر تحديث
التضخم وانهيار القدرة الشرائية وغيرها

معالجة الأزمة الاقتصادية أولوية في الانتخابات الرئاسية الإيرانية

77
69
61
مواضيع ذات صلة

طهران: تواجه إيران أزمة اقتصادية واجتماعية صعبة تعود بشكل أساسي للعقوبات الأميركية القاسية المفروضة عليها، ما يجعل من تحسين وضع الاقتصاد الوطني أولوية على جدول الانتخابات الرئاسية هذا الشهر.

ويعكس تجار في البازار الكبير في طهران، بعضا من جوانب هذه الصعوبات. ويقارن فخر الدين (80 عاما)، صاحب متجر لبيع الأوشحة في البازار، بين الوضع الحالي وذاك الذي ساد خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، معتبرا أنه "كان لدينا نشاط" مع الزبائن أفضل من الراهن.

ويرى متابعون للشأن الإيراني أن الصعوبات الاقتصادية الراهنة هي الأصعب منذ قيام الجمهورية الإسلامية (1979).

ويقول تييري كوفيل، الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية ("إيريس") في باريس، لوكالة فرانس برس، إن ما تختبره البلاد حاليا يعدّ "الأزمة الأصعب التي تطال الاقتصاد الكلّي في إيران منذ الثورة" الإسلامية.

ويوضح الخبير في الاقتصاد الإيراني أن هذه الصعوبات ترافقها "أزمة اجتماعية عميقة" تتمثل خصوصا بـ"انهيار القدرة الشرائية لجزء كبير من الإيرانيين".

وعاود اقتصاد الجمهورية الإسلامية الانتعاش بعد إبرام طهران إتفاقا في فيينا العام 2015 مع القوى الكبرى، بشأن برنامجها النووي، بعد سنوات من التوتر والمفاوضات الشاقة. وأتاح الاتفاق رفع الكثير من العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، في مقابل خفض أنشطتها النووية. لكن مفاعيله جمّدت بشكل شبه كامل منذ قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب العام 2018، سحب بلاده أحاديا من الاتفاق وإعادة فرض عقوبات قاسية على طهران. وأدى ذلك الى انكماش اقتصادي ملموس.

ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي، تراجع الناتج المحلي الاجمالي بأكثر من ستة بالمئة في 2018، وبأكثر من 6,8 بالمئة في العام التالي. وعلى رغم عودته إلى تسجيل مستوى إيجابي في 2020، لا يزال الناتج المحلي عند مستويات تناهز التي عرفها في 2015.

وإضافة الى النمو، تواجه إيران مشكلة التضخم. فبعدما تمكنت حكومة الرئيس حسن روحاني من خفضه إلى ما دون 10 بالمئة، تسببت العقوبات المتجددة بارتفاع كبير في نسبة التضخم، والتي يتوقع أن تبلغ هذا العام 39 بالمئة، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي. أما نسبة البطالة، فيقدرها كوفيل بحوالى 20 بالمئة.

وحض المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي المرشحين للانتخابات على التركيز على الشأن الاقتصادي. وقال في خطاب في 27 مايو "الآن القضية الآنية والرئيسية في البلاد هي الاقتصاد، فيجب متابعتها بجديّة، وعلى المرشحين المحترمين معالجة هذه القضية، والتحدث مع الناس وإقناعهم".

وتبدو معالم الأزمة واضحة في متاجر طهران وأحاديث سكانها، خصوصا لجهة غلاء المعيشة وارتفاع أسعار مواد أساسية كاللحوم والبيض والحليب. وتقول مهناز، البائعة الثلاثينية في متجر لمستحضرات التجميل في بازار طهران، "لم نعد نخطط لأي مشاريع (مستقبلية). نعيش كل يوم بيومه".

تنعكس الأزمة على فئات مختلفة من المجتمع في البلاد التي يناهز تعداد سكانها 83 مليون نسمة.

فالكثير من الطلاب اضطروا للتخلي عن متابعة تعليمهم العالي خارج البلاد نظرا لافتقادهم الموارد المالية اللازمة. كذلك، لجأت عائلات تأثرت بأزمة البطالة، الى التقشف في الكثير من المصاريف الأساسية، والاعتماد على مداخيل بسيطة توفرها وظائف ظرفية.

وانتشرت في مارس على هامش عيد رأس السنة الفارسية ("نوروز")، صور طوابير الانتظار أمام المتاجر التي تبيع مواد غذائية مدعومة مثل الدجاج والأسماك، ما أثار ردود فعل واسعة وتصدرت الكثير من الصحف اليومية. ويرى كوفيل أن أمورا من هذا القبيل "تتيح الاستمرار في الحياة (...) لا عيش حياة بشكل طبيعي".

وأتاح الاتفاق النووي رفع الكثير من العقوبات في مقابل الحد من أنشطة طهران وضمان سلمية برنامجها. لكن تجدد العقوبات دفع المستثمرين الأجانب للخروج من السوق الإيرانية، والتردد بشكل كبير قبل ابرام أي عمليات تجارية على صلة بالجمهورية الإسلامية.

وأخرجت العقوبات إيران من النظام المصرفي العالمي، وأفقدتها غالبية مستوردي صادراتها النفطية، ما حرمها من عائدات مالية أساسية.

وفي غياب هذه الإيرادات، يرى كوفيل أن "الحكومة الإيرانية كانت ملزمة الحد من الاستثمار (في الاقتصاد المحلي)، من أجل مواصلة دفع النفقات الجارية ورواتب موظفي القطاع العام".

لكنه يرى أن سياسة تقليص الاستثمارات هذه "متواصلة منذ فرض العقوبات، وليس مصادفة أن نبدأ برؤية انقطاعات في التيار الكهربائي في إيران".

وقبل إبرام الاتفاق النووي، زادت الدول الغربية بعد العام 2010 من وتيرة العقوبات المفروضة على إيران سعيا لإبطاء برنامجها المثير للجدل.

وفي دراسة نشرت حديثا، يرى الخبير الاقتصادي الإيراني جواد صالحي-اصفهاني أنه "منذ 2011، تراجع نحو ثمانية ملايين شخص من الطبقة الوسطى الى الطبقة الوسطى الدنيا، ونحو أربعة ملايين التحقوا بالطبقات الفقيرة".

وما زاد الصعوبات الاقتصادية سوءا، تأثر إيران بشكل كبير بفيروس كورونا. ويرى كوفيل أن جائحة كوفيد-19 "زادت من تأثير (...) العقوبات الأميركية"، خصوصا وأن "الحكومة (الإيرانية) ببساطة لم تكن تمتلك المال للتعويض اجتماعيا" عن آثار الأزمة الصحية.

وتعد إيران أكثر دول الشرق الأوسط تأثرا بكوفيد-19، وهي أعلنت رسميا وفاة أكثر من 81 ألف شخص بسببه.

وفي تصريحاتهم خلال الحملة الانتخابية، شدد المرشحون السبعة، بمن فيهم الخمسة من المحافظين المتشددين الذين غالبا ما انتقدوا اتفاق فيينا، على أولوية رفع العقوبات الاقتصادية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في اقتصاد