: آخر تحديث

الكبرياء لا يليق بالدكتاتوريات

99
112
85
مواضيع ذات صلة

بعض الانظمة عنيدة و متغطرسة الى الدرجة التي تعتبر نفسها ووجودها اهم بكثير من مصالح شعوبها بل انها تذهب بعيداً الى الحد الذي تعتبر فيه ان وجودها وكبريائها هو روح وجوهر الامة والشعب.

وهذا هو حال تفكير النظام الايراني انه نظام شديد الكبر والكبرياء الواهم حتى على ذاته وعلى ملايين من الفقراء والمعدمين الايرانيين فهم غير مرئيين بالنسب للطبقة الثيوقراطية  الحاكمة التي تصبغ نفسها بالالوهية، وكذلك طبقة الدكتاتورية العسكرية المتمثلة بالحرس الثوري الايراني وتنظيماته المسلحة، وبينهما طبقة الاوليغارشية التي تجمع ما بين الانتماء العائلي والتاريخي مع المراجع الدينية وما بين الانتماء التنظيمي والهيكلي مع الدكتاتورية العسكرية ذات التلطلعات الخارجية التوسعية.

ايران اليوم تواجه خطر العقوبات الاقتصادية الامريكية وخطورة هذه العقوبات تكمن في انها ستزيد اوضاع الانسان الايراني سوءاً اكثر بكثير من تهديدها للنظام الايراني. فالفقر والتردي الاقتصادي والمالي هو الثمن الذي يدفعة الايرانيين منذ زمن نتيجة تطلعات ومغامرات النظام الايراني الاقليمية ومشروعه في خلق اذرع مسلحة خارجة عن نطاق وسيطرة بعض  الحكومات الاقليمية الضعيفة والمتآكلة وذات الارتباطات الخارجية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن.

العقوبات الاقتصادية الامريكية على ايران اثارت وتثير العديد من الشكوك حول مدى تاثير هذه العقوبات على تغير شكل او انماط سلوك النظام السياسي في ايران.

في عام ١٩٩٠ فرضت الولايات المتحدة والامم المتحدة واحدة من اقسى واعنف وابشع العقوبات الاقتصادية على العراق على اثر قيام العراق باحتلال الكويت. في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تعيش ذروة زعامتها للعالم ولم تجروء اي دولة على مخالفة اوامر القوى العظمى وتم احكام نظام صارم من العقوبات الاقتصادية على العراق وصل الى حد منع دخول الدواء والمواد الغذائية الاساسية وحظر للطيران والملاحة وتجميد ودائع العراق في البنوك العالمية وقائمة طويلة من الممنوعات وصلت الى حد منع تجهيز العراق بحليب الاطفال وادوية الامراض المزمنة ولقاحات الاطفال. مما ادى الى تضاعف وفيات الاطفال الى اكثر من ٦٠٠ الف طفل حسب تقديرات الامم المتحدة في وقتها. وربما بعضنا يتذكر المقولة الشهيرة لوزيرة الخارجية الامريكية مادلين اولبرايت والتي كانت وقت فرض الامم المتحدة الحصار على العراق تشغل منصب مندوبة الولايات المتحدة في الامم المتحدة حيث قالت عندما توجه لها سؤال عن كيف يمكن ان تبرر وفات نصف مليون طفل عراقي جراء الحصار بقولها ( اعتقد ان النتائج تستحق هذا الثمن). الحصار على العراق كان ايضا نتيجة لكبرياء النظام العراقي الذي دفع ثمنه العراقيين غالياً ولم يسقط الحصار الاقتصادي النظام السياسي في وقتها ولم يؤثر حتى في بنيته.

الولايات المتحدة اليوم ليست القوى العظمى المهيمنة والمنفردة والمتزعمة للعالم الرأسمالي كما هو الحال مطلع التسعينات من القرن الماضي ولكنها مع هذا لاتزال تمتلك نفس الشراسة والاصرار على ان تفرض عقوبات شرسة قد تفتك بالشعب الايراني دون ان تمس عنجهية النظام الايراني.

حتى في زمن اوباما تركت الولايات المتحدة الباب مفتوحاً للايرانيين لكي يخرجوا من مأزق العقوبات بطريقة تحفظ كبرياء وغرور القادة الايرانيين مما سهل مهمة الجناح المعتدل في ايران الذي كان يعاني من ضغط جناح الصقور الشرس المتمثل بالمؤسسة العسكرية الايرانية.

اليوم اقفلت الولايات المتحدة جميع المنافذ للحوار والوصول الى طريق وسط بين الجانبين وحتى النقاط الاثني عشر التي وضعت كشروط لرفع العقوبات هي في الحقيقة شبه مستحيلة وفضفاضة بالشكل الذي يذكرنا بشروط ادارة بوش التي قدمتها الى الحكومة العراقية مطلع التسعينات.

اخيرا يجب ان تدرك دول الشرق الاوسط ومنها ايران ان الولايات المتحدة تخوض معركتها الحاسمة ولربما الاخيرة في الشرق الاوسط والتي لا تهدف منها تغير انظمة او فرض الديمقراطية وحقوق الانسان وحماية الاقليات وغيرها من شعارات اخلاقية التي تساقطت في مستنقعات المنطقة التي خلفتها حروب ومغامرات البيت الابيض المتعاقبة، بل سيكون الهدف هذه المرة اعادة رسم خارطة العلاقات والصراع في الشرق الاوسط او ما يسمى بصفقة القرن. هذه الصفقة لن يكون من متطلباتها تغيير شكل الانظمة والايديولوجيات في المنطقة بل بالعكس الابقاء عليها قدر الامكان لأنها ستكون اداة اساسية في هذه الصفقة.

وعليه سيكون الشعب الايراني في محرقة القمع والتجويع والتهجير وسوف يدفع هو وحده ثمن كبرياء وعنجهية النظام الايراني وطموحاته التوسعية المشبعة باحلام واوهام العظمة، واذا لم يستوعب الايرانيين مؤشرات الحاضر ليس عليهم سوى ان يديروا رؤوسهم نحو جارهم الغربي ليفهموا ان الدكتاتوريات ترحل بلا كبرياء وان الذي يبقى ليدفع ثمن هذا الكبرياء هم الشعوب التي سيتركها المتغطرسون تعاني جراح الماضي والحاضر والمستقبل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في