: آخر تحديث

المرأة هي المذنبة دائما في الثقافة العربية /الإسلامية الشعبوية

85
96
77
مواضيع ذات صلة

استوقفتني القصة التي ذكرتها الزميلة الفاضلة "أحلام أكرم" في مقالتها يوم الأربعاء من الأسبوع المنصرم بعنوان "استرخاص روح المرأة لمسح العار بينما قتلها هو العار" عن الفتاة ذات الثلاثة عشر عاما التي قتلتها عشيرتها لأنها لم ُتصدّق الطبيب الذي فحصها وأكد عذريتها، وأن سبب انتفاخ بطنها يعود إلى ان لديها غشاء بكارة سميك ولهذا لم تأتها الدورة الشهرية لمدة ستة أشهر بحيث تكون لديها تراكم وبطن منفوخة وأعراض الحمل. لم تقتنع العشيرة بكلام الطبيب وقتلوها ظلما بالسم.

تذكرني هذه الواقعة المؤلمة بقصة حقيقية سمعتها بأذني قبل سنوات (عبر قناة تلفزيون الـ بي بي سي العربية) من أحد الأطباء وهو كذلك أستاذ جامعي يدَرس في كلية الطب في دولته العربية. يقول الأستاذ الجامعي: كان واحدا من طلابي اللامعين يتدرب في المستشفى الذي اعمل فيه، وفي يوم من الأيام لاحظته شارد الذهن، شاحب الوجه، على وجهه علامات الكآبة، لا يستطيع التركيز على شيء. راقبته ليومين آخرين وهو على هذا الحال، فاستدعيته الى مكتبي وسألته ما الذي حل به، تردد في البداية وبعد الحاحي عليه قال لي: انا في ورطة كبيرة ولا اعرف كيف اتصرف. لدي اخت غير متزوجة، لاحظت العائلة انتفاخ بطنها غير الطبيعي ويظنون انها ارتكبت الفاحشة، وطلبوا مني انا شخصيا ان اقتلها غسلا للعار. 

سألته عن سلوك وتصرفات اخته، قال: انها على خلق ودين. قلت له:انت طبيب وتعرف ان انتفاخ بطن المرأة له عدة أسباب طبية، واقترحت عليه ان يختلق لها عذرا ويحضرها الى المستشفى لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة لمعرفة سبب الانتفاخ وللتأكد من عذريتها،وقد تم ذلك. بعد إجراء الفحوصات تبين انها عذراء وان سبب الانتفاخ هو انها مصابة بمرض "زيادة البكتيريا في الأمعاء الدقيقة"، وزيادة معدل البكتيريا بالأمعاء الدقيقة عن المعدل الطبيعي يؤدي الى عجز في قدرة الجسم على امتصاص الطعام والمغذيات من جدار الأمعاء مما يتسبب في تراكم الغذاء في الأمعاء بسبب محاولات البكتيريا لهضمه، ويتم انتاج كمية من الغازات التي تتراكم أسفل البطن مكونة الانتفاخ. كما وجدوا تجمعا للألياف حول الرحم. خضعت الفتاة لعملية جراحية لإزالة الألياف وعولجت من مرض زيادة البكتيريا بالأمعاء الدقيقة، وعاد حجم بطنها الى طبيعته، ثم تزوجت فيما بعد وانجبت. هذه الفتاة انقذتها العناية الإلهية، وإلا كان من الممكن ان تلقى نفس المصير المشؤوم.

جرائم الشرف أو القتل بدعوى الشرف هي جريمة قتل يرتكبها غالبا عضو ذكر في أسرة ما أو قريب ذكر لذات الأسرة تجاه أنثى أو إناث في نفس الأسرة. حيث يقدم الجاني على القتل لأسباب تتعلق بارتكاب الأنثى (الزوجة او البنت او الأخت) فعلا مخلا بالأخلاق مثل الزنا والعلاقات غير الشرعية، ويزعم مرتكبي مثل هذه الجرائم أن هذا تمّ من اجل "الحفاظ على الشرف"، أو ما يوصف في أوساط قبلية بعملية "غسل العار".

تختلف حساسية الأسباب حسب مناطق مختلفة من العالمين العربي والإسلامي، منها ما يكون بسبب العلاقات غير الشرعية، ومنها كذلك خيار المرأة الزواج من رجل من دين آخر، أو طائفة أخرى، أو عشيرة أخرى، أو من رجل لا يرضى به الأهل زوجا لها،أو لأنها أحبت، أو شوهدت مع شاب ما.

منظمات حقوق الانسان تقدر انه في كل عام تذهب حوالي 5000 امرأة / فتاة ضحية لجرائم قتل ترتكب باسم حماية شرف العائلة في أنحاء متفرقة في العالم، وماتزال "جرائم الشرف" ظاهرة منتشرة في بعض الدول العربية وتطالب منظمات حقوقية وشخصيات من المجتمع المدني بتشديد العقوبات على هذا النوع من الجرائم. ورغم التعديلات القانونية التي أصبحت تفرض عقوبة على الجاني في العديد من الدول العربية إلا أن هذا النوع من الجرائم ما يزال يستخدم لتصفية الحسابات داخل العائلة. وتحدث هذه الجرائم في بلدان كثيرة نذكر منها باكستان والأردن واليمن وتركيا والعراق والمغرب ومصر. 

الحقيقة أن الشريعة الإسلامية لم تأذن لزوج أن يقتل زوجته إذا رآها في حالة تلبسٍ للحرام، ويروى إن الرسول (ص) لم يسمح لأنصاري جاءه يشتكي من هذا الأمر، إنما أحاله إلى جلسة محكمة يقسم فيها إنه رأى زوجته وهي متلبسة بالحرام، فإذا أقسمت هي أيضا إنه كاذب، فيؤخذ بقسمها ويفرق بينهما. الشريعة الإسلامية لم تسمح له بأن يقتلها والآيات القرآنية واضحة في هذا الشأن، ولكن للأسف الشديد إن كثيرا من الناس نصبوا من أنفسهم قضاة ومنفذين لأحكام العدالة الإلهية.

هناك عادات وتقاليد خبيثة توارثتها اكثر المجتمعات العربية والإسلامية ولا سيما في المناطق الريفية وقد الصقت بالدين الإسلامي ظلما. الإسلام بريء من هذه العادات والتقاليد التي تعتبر جريمة ليس بحق المرأة المذنبة إنما بحق الإنسانية جمعاء. يجب أن يكون الفيصل في توجيه العقوبة والإدانة للمحاكم الشرعية المختصة، وليس الزوج مع زوجته أو الأخ مع اخته، حتى لا تسود الفوضى والإرهاب الأسري الذي لا يرضى به الإسلام. ولم يثبت الزنا بطريق الشهادة منذ فجر الإسلام إلى وقتنا الحاضر، وإنما قد يثبت بطريق الإقرار، لأن الشهادة صعبة جدا إذا لم تكن مستحيلة، حيث يشترط أن يجمع الشهود الأربعة على رؤيتهم "للميل في المكحلة" بأم أعينهم، ويقسمون على ذلك، وهذا أمر صعب بل مستحيل. والقصد الرباني من ذلك هو الستر على الناس وعلى الأسرة والحفاظ عليها، وإعطاء الخلق الفرصة للتوبة، وهذا كله من فضل الله (جلت قدرته وعلا شأنه) ورحمته التي وسعت كل شيء.

قال تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ). وقوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). وقوله: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُون).

آخر الكلام: اذا تم الاعتداء على امرأة او فتاة، او تم التحرش بهن في الشارع او في وسائل النقل العام، يلقى اللوم عليهن. لماذا خرجت من بيتها؟ لماذا لم تلبس لباسا محترما، الى آخره من الأعذار؟ يختلقون هذه الأعذار الواهية ليبررون للمجرمين والشواذ من الرجال افعالهم الخبيثة. المرأة هي المذنبة دائما في ثقافتنا الشعبوية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي