: آخر تحديث

وحشية الذئاب البشريّة وحنوّ الذئاب البريّة

79
82
57
مواضيع ذات صلة

حينما نرى نفوسا إنسانية تبلغ بهم الوحشية مبلغا غاية في الهمجيّة نقول عنهم ونَصفُهم بانهم ذئاب بشرية تشبيها لهم بتلك الحيوانات المتوحشة الشرسة دون ان نعلم ان هناك من فصائل الذئاب البريّة الموصوفة بالمتوحشة تمتلك من الصفات والنبل الاخلاقي مايفوقالانسان  أحياناً ؛ ففي تلك الحيوانات من الوفاء لجنسه ما يحيّر العقول اذ توجد عاطفة قوية من المحبة بين افراد القطيع الواحد ومساندة للضعيف والجريح والكبير العاجز من الذئاب التي لاتقوىعلى الصيد حيث تقوم الذئاب مجتمعة على مداواة الجرحى وتوفير الطعام للعاجزين ورعاية الصغار .

تعيش هذه النماذج من الذئاب ايضا نظاما مركزيا في الحياة الاجتماعية بينهم يسمى " تدرّج السيادة " لكونها تمتاز بالذكاء الحاد وقدرتها على تنظيم نفسها بنفسها والتخطيط لترتيب حياتها ويكون الأقوى والأكثر حنوّا وميلا عاطفيا لقطيعه هو السيد والآمر الناهي وهو من يقود القطيع اثناء فترات الصيد وفق نظام يشبه الى حد ما تقدم العساكر المشاة وهو الذي يختار من يكون في الميمنة او الميسرة او في الخلف لحماية القطيع من ايّة مخاطر او هجوم طارئ كما انالقائد المختار وحده من يعوي لتنبيه قطيعه اذا تطلب الامر ذلك هجوما أو تراجعاً أو انسحابا تاكتيكياً ، والشيء الجميل في مركزيتهم فيما بينهم انهم لايمانعون ان تكون إحدى إناثهم هي القائدة مادامت تتميز بقوة العقل والحكمة والإقدام في اتخاذ القرارات ولا تتحرج الذئاب الذكور من ان يولّوا أمرهم لأنثى مادامت تمتلك القوة الجسدية والحنكة في ترتيب حياة القطيع وتنظيمه وفق نظام مركزي .

وبخصوص الحياة الاسريّة ؛ فهذا الحيوان الذكر لايقترن الّا من ذئبةواحدة طوال حياته ويبقى مخلصا لها ولذريته حتى مماته ؛ ولا يميل ابدا الى تعدد الزوجات ، فالخيانة الزوجية معدومة تماما بين الاثنين ، والأبوان يعرفان أبناءهما ويفرزانهما عن بقية القطيع ويعملان على تطعيم نسلهما من الجِراء وتعليمهما اساليب الصيد حتى انهمايمنعانهم من أكل الجيف والفطائس والقمامة مهما بلغ بهم الجوع ويغرسان فيهما هذه الصفة منذ أول نموّهم .

اما زواج المحارم الذي نلحظه في بقية الحيوانات فلا يحدث بينهم ابدا، غير ان الانسان المروِّض لهذا الحيوان -- وما أتعسَ سلوكه الكريه -- قد يدبّر للذئب الذكَر مكيدة بعد ان يعصّب عينيه ويحرمه شهورا من أنثاه الذئبة فيهيئ له اناث الكلاب ليتناسل معها ، ولا يدري هذا الحيوان المسكين انه أرغم على الخيانة الزوجية وهذه كلها بفعل الانسان الذي يسعى الى تخريب حياة هذا القطيع وقطع دابر الإخلاص الذي يكنّه الزوجان لبعضهما كي يكونا مثله عابثا بأواصر الرباط المقدس بين الأزواج .

ورابطة القران والزواج بين الذئاب لاتنفصم الاّ في حالة موت احد الزوجين اذ يقام حداد في القطيع وحزن على الفقيد قد يصل الى عدة شهور وقد يموت الذئب حزنا على حرَمِهِ ، ولو بقي على قيد الحياة فسوف يعيش منفردا ويعوي طوال الليل ناحبا باكيا ؛ ومن الذئاب الأكثر إخلاصا ووفاءً مَن تقدم على الانتحار تخلّصا من حياة الوحدة .

وكما ان الذئاب تقدّس الحياة الزوجية فإنها أيضا تبرّ بالوالدين اذاعجزا عن إطعام نفسيهما عن طريق الصيد ولهذا ترى الأبناء الاقوياءتأتي بفرائسها لتوضع أمام الأب او الأم  في وكرهما كي يسدا رمقهما حتى يشبعا وبعدها تأتي بقية الأسرة لتأكل ماخلّفه الوالدان من المائدة .

لقد وهب الله للإنسان عقلا لترتيب حياته لكنه سلب من ضميره جانب العطف والرحمة والحنوّ في بعض الأحايين ، والخوف كل الخوف من موت الضمير كليّا في أعماق الانسان ؛ وهنا من حقنا ان نخشى على موت العقل والقلب معا حينما يغيب الضمير وهذا ما نلحظه الان في مجتمعاتنا التي تتدنى ضميريا سنة اثر أخرى كي نفوق الحيوانات الشرسة في الوحشية وموت التعاطف ونفتقد إنسانيتنا تدريجيا .


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي