: آخر تحديث

ملالي، وملالي!

82
73
72
مواضيع ذات صلة

كلمة ملالي كانت تطلق على أولئك الرجال ( النساء على نطاق ضيق) الذين كانوا يعلمون الصبيان قراءة القرآن وحفظه،( واعتقد إنها جاءت من أملا، يملي: المعرفة) كان الملا شخصا بسيطا قريبا من الناس محبوبا يحظى بحبهم ورعايتهم،لا علاقة له بالسياسة ولا علاقة للسياسة به. تعايش روحاني هادئ وحميم كما لدى رهبان الأديرة والكنائس!  

أتذكر الملا فليح في هيت حيث نشأت؛ كان شيخا نحيفا متعبا رغم افتقاد عينيه للنور وهبنا نحن تلامذته الصغار ما قبل الابتدائية نور الحروف والكلمات، هو أول من قادني إلى دنيا القراءة والكتابة وحافظ على حياتنا فكان يطمغ أفخاذنا بصبغة قلم القوبياء كي لا نسبح في النهر! كان فقيرا مثلنا لكنه كان عفيفا متساميا لم يستغل أحدا، ولم يجعل من الدين مهنة بل هو مدرس كتب دينية ولغة في بيته المواضع!

وفي الجنوب حيث أكثرية الشيعة كم سمعت من أصدقاء ومعارف لي من حكايات جميلة عن ملالي وسادة متعففين طيبين، كانوا يعفون حتى عن الخمس المحلل شرعا في مذهبهم، وكثيرا ما يعطون مما يقع بأيديهم للفقراء والمعوزين، ويمنحونهم النصح والإرشاد الديني دون مقابل، وكان كثير منهم يحظى بحب الفقراء والفلاحين ويمنحونهم الضيافة والتقدير والثقة.ولا يجدون غضاضة في الجمع بين أداء الردات الحسينية والغناء العاطفي وبعضهم تغزل وأعطى للخمر معنى روحيا وهو مرتد العمامة! 

أكبر شرخ بين فقراء وفلاحي الشيعة ومراجعهم حدث حين حرم مراجع كبار على الشيعة إرسال أبنائهم للمدارس أو الوظائف العامة أو الجيش بداية قيام الدولة العراقية بحجة أنها دولة غير شرعية قامت قبل ظهور المهدي المنتظر! 

ثم بلغ الشرخ ذروته حين حرم المرجع الشيعي الأعلى محسن الحكيم على الفلاحين التمتع بحقهم بأرض الإصلاح الزراعي 1959 مدعيا أنها اغتصبت من أصحابها الشرعيين الإقطاعيين! ثم مضى في تدخله العنيف في السياسة حين حلل دماء الشيوعيين وحرض على قتلهم، وأخرج من بيته مخطط وبيان انقلابي شباط الدموي عام 1963!

لم يتغير نوعيا معنى كلمة ملالي و"أصحاب العمائم" إلا بعد أن سطا الخميني بتدبير المخابرات الفرنسية والأمريكية على ثورة الشعب الإيراني وحولها إلى فورة ونوبة سعار دينية وطائفية، فصارت كلمة "الملالي" اختصارا لقادة دولة الفقيه ومصطلحا لتدخل رجال الدين في السياسة، ونموذجا لحكم المتخلفين عقليا وأخلاقيا بعيدا عن خبرة العلماء والتكنوقراط والقوانين الوضعية المدنية وأخلاق الحضارة الإنسانية.

صارت القبضة الشمولية لا تشبه طمغة الملا لوقاية الأطفال من الغرق بل دمغة عامة شاملة على العقول والأرواح لا تريدها أن تحلق بعيدا عن صحرائه وخيمة عباءته السوداء!

في الجهة الأخرى ظهر لدى السنة ملالي القاعدة والدولة الإسلامية والنصرة وغيرهم ممن تشبعوا بأقوال ابن تيمية وبالوهابية وفكر الأخوان ونزعات التطرف والتعصب، فصاروا ملالي للذبح والتكفير وهدم المدن وسبي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى والمتاجرة بالنساء والنفط!

هناك اختفى الملا "فليح" وأمثاله ليبرز الملا بن لادن والزرقاوي وأبو بكر البغداي وأتباعه من الملالي المشعوذين المسعورين المهووسين بالقتل والجنس وجمع الثروات من دماء صبيان الفقراء الذين يدفعونهم لتفجير أنفسهم وقتل الأبرياء بما يسمونها العمليات الاستشهادية!   

في العراق رغم أن دستور البلاد "مزدوج الشخصية" يقول أن دولة العراق مدنية لكنها في جوهرها ونواتها دولة ملالي يخفون تحت عباءاتهم مليشياتهم الخاصة ونزعتهم الدينية المتحجرة، وهم عادة لا يظهرون بل غائبون وراء حجب وأستار، يستنكفون أن يروا الناس، أو أن يراهم الناس، يرسلون تعاليمهم إلى الحكام أو يزورهم الحكام ليستلموا منهم التوجيهات والتي لم يتجل منها سوى المزيد من كثافة وتصلب الدولة الدينية وترسخها، كدولة متخلفة عاجزة فاسدة!

ليس شرطا أن يكون الملا بجبة وعمامة فالملالي الذين يتبوأون اليوم المناصب العليا في العراق من الشيعة والسنة والكرد والتركمان هم ليسوا سوى ملالي بثياب إفرنجية أنيقة مستوردة من أفخم بيوت الأزياء في باريس ولندن! ولا أريد الخوض في سيرهم فهي قد أضحت معروفة وتثير السأم والتقزز، لكن أين رئيس الوزراء الفلاني من الموسيقار الخالد الملا عثمان الموصلي؟ وأين الوزيرة الفلانية، أو النائبة الفلانية من المغنية الخالدة "صديقة الملاية"؟!

أهم ما يميز شخصيات ملالي السلطة هي احتقانهم بالأحقاد والكراهية وعدم القدرة على الحب بل التهالك على الجنس والمال الحرام وامتلاك القصور لمزيد من الغرور والأبهة وازدواج الشخصية. أحدهم وكان واليا على البصرة المنكوبة رفض مصافحة امرأة أجنبية جاءت لمساعدة المدينة ثم يكتشفون فيما بعد أنه لص كبير هرب إلى إيران محتميا بلصوصها هناك!  

ملالي السلطة اقتطعوا سنوات طويلة من أعمار شعوبهم ليمارسوا الحكم، فأثبتوا فشلهم وتخبطهم ، الخميني وجماعته استلموا إيران  دولة متحضرة مهابة في محافل العالم وها هي  تنتهي على أيديهم دولة عدوانية مكروهة منبوذة محاصرة وبعملة واقتصاد منهارين وشعب ما أن أيرفع رأسه محتجا أو منتفضا حتى يوجه بالرصاص والمشانق!

وفي العراق بعد 15 سنة من الحكم انتهي العراق على أيدي الملالي  دولة غارقة في الفساد والأزمات المتلاحقة وساحة للإرهاب والمليشيات ومكروهة من الشعب مدانة بمئات القضايا والملفات المغيبة، والمهملة من قضاء عاجز مسيس! 

في مصر سرق ملالي الأخوان ثورة الشعب ودولتهم مقتدين بالخميني واخذوا بتشويه وجه مصر المعروف بجماله وحضارته العريقة  فتصدى لهم المصريون وأطاحوا بهم! وهكذا الحال في تونس والجزائر وغيرهما.

المصيبة أن نتائج الانتخابات المزورة في العراق ستتيح لهؤلاء الملالي من الشيعة والسنة والكرد والتركمان حكما لأربع سنوات أخرى رغم إن 90% من الشعب العراقي لا علاقة له بصناديقهم المحروقة أو المسروقة، فهل سيقبل الشعب بقاءهم لهذه السنوات الأطول من ألسنة الجحيم؟، أم سيقتدي بشعب مصر وتونس وغيرهما من الشعوب الحية اليقظة؟ 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي