: آخر تحديث

معركة... في حرب طويلة

88
111
93

أذكر في طفولتي بعض الأدبيات النضالية المتعلقة بالقضية الفلسطينية , منها مقولة كانوا يفسرون بها ميل ميزان القوى لليهود (إن العرب أمة لا تقرأ , ولا تلتزم بالطابور أو النظام)!! و ينسبونها  آنذاك إلى موشي ديان وهو يجول في القدس بعد احتلالها .

 وكنا وقتها نشعر بمسؤولية كبرى اتجاه القراءة والانتظام وتحرير فلسطين معا ...بعد أن استطاعت القضية الفلسطينية في وقت ما أن تكون مرجعية وجدانية للعالم العربي , ومحور ارتكاز ينطلق منه  مشروع العالم العربي  النهضوي .

وظل الأمر كذلك على امتداد أجيال من المواجهة المستنزفة , إلى أن اكتشفنا في لحظة انكسار تاريخي  إن القضية الفلسطينية باتت ورقة مزايدات توظف في المؤتمرات العربية أو الصحفية, أو في إعلام تحريضي  بين القوى المتجاذبة في المنطقة.

وفقدت القضية تلك الهالة من المثالية المطلقة  , واليقين الرومانسي الثابت ,   بعد أن فقدت الصواريخ التي جهزت لتحرير فلسطين  بوصلتها وباتت تقصد العواصم العربية. 

واليوم بعد ما يقرب من 80 عاما من عمر النكبة الفلسطينية , جميع الأمور خضعت للصيرورة الزمنية في التغير والتبدل , عدا الطريقة التي مابرحت النخب السياسية ومراكز القوى الفلسطينية تدير بها النضال والمواجهة  .

فالصراع العربي الإسرائيلي ليس معركة أحادية متعلقة بشعب بعينه أو بقعة أرض بذاتها , بقدر ما هو حلقة في سلسلة  من صراع عتيق  بين الشرق والغرب,  له جذور تاريخية قديمة منذ زمن الإمبراطوريات المندثرة  وطموحاتها بالاستحواذ على دروب التجارة والممرات المائية والبرية .

إسرائيل اليوم وإن كانت دولة ثيوقراطية عنصرية , إلا أنها جزء من الغرب الذي تميل كفة ميزان التفوق الحضاري لصالحه , والحروب الصليبية التي كانت بالسيف والترس امتدت لقرون قبل تحرير القدس , فماذ ا عن المواجهة في زمن الريموت كونترول, والقنابل التي تمسح مدنا بكاملها عن وجه الأرض في ثوان.

مازالت القيادات الفلسطينة تتكئ على مرجعية  المناورة والمخاتلة التي لم تثمر إلى الآن مع خصم مستبد متغطرس , والاصرار في استقطاب في التعاطف الدولي الذي يصلح للتربيت على الأكتاف فقط ليس إلا  , وإن كان سمي شارع في مدينة أوروبية باسم الطفلة الفلسطينية عهد التميمي  فالولايات المتحدة نقلت سفارتها للقدس في نفس الوقت.

المؤلم بالأمر إن القيادات الفلسطينية قد فقدت قرارها المستقل والبيادق تتحرك وفق تعليمات قادمة من مكان بعيد يتكفل بصرف المرتبات وصناعة القرار,   ومليونية يوم الأرض التي انطلقت يوم 30 مارس الماضي, لم تحقق مكسبا سياسيا واحدا على أرض الواقع , وتساقط الشهداء هناك بالعشرات , نتيجة قرارات رعناء يقدم فيها  اللحم الفلسطيني برخص وسادية عجيبة في الخطوط الأمامية لفكي التنين.

 يقول محمود درويش:-

(ستنتهي الحرب ...ويتصافح القادة

وتبقى تلك العجوز تنتظر شهيدها

وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب

وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل

لا أعلم من باع الوطن ...ولكن رأيت من دفع الثمن)

وعندما يكون الثمن غاليا باهضا موجعا كما نراه دوما  , بدون تحقيق أي مكتسبات على أرض الواقع يصبح عبثا واسترخاصا متصلا ومقامرات فاشلة بالدم الفلسطيني , حتى مكتسبات الانتفاضة الأولى والثانية , بدأت الآن تتلاشى وتضمحل بعد إدارة قاصرة  لها .

هل هناك وقفة  لتقييم التجربة؟ وتغيير الأدوات ؟والتخلص من الرث والبالي داخل إستراتيجية المواجهة والتحرير؟

لم تعد القضية الفلسطينية مرجعية وجدانية في العالم العربي ليتم اللعب على حماس الشارع , ولم تعد (بيضة القبان) كما يقولون لاسيما بعد الربيع العربي , ولكن المؤلم بإن  الأمر الذي ظل ثابتا هو استرخاص الدم الفلسطيني ودفع العزل من المدنيين لخطوط المواجهة بدم بارد , دون أي مكاسب تذكر على أرض الواقع  .


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في