: آخر تحديث

نسوية الدولة

82
102
71

بقلم أميمة الخميس

 

تعرضت  المسيرة النسوية في العالم العربي إلى انتكاسات وارتدادات مقارنة بالمكتسبات التي حققتها في بدايات القرن الماضي , والتي شهدت كتاب قاسم أمين في مصر وأشعار الزهاوي في العراق ومناخ نهضوي وفكري محفز وداعم لاسيما عبر القيادات السياسية التي كانت تحمل مشروعا تنويريا .

إلا أنه في الوقت الحالي لايبدو المشهد معتما للغاية  فلو افرغنا المشهد داخل  جدول بياني سنجد إن المرأة التونسية تتصدر هذا الجدول وتقطف ثمار مشروع الرئيس بورقيبة في ما يتعلق بتمكين المرأة , وتتراوح بقية الدول العربية  داخل الجدول مابين تقدم وتقهقر.

على سبيل المثال قانون الانتخابات اللبناني لا يضمن إلى الآن كوتا للمرأة اللبنانية داخل البرلمان , واللبنانية لا تستطيع أن تمرر جنسيتها لأبنائها , فهي مابرحت نصف مواطنة .

على حين إن المرأة السعودية ضمنت 30 مقعدا في مجلس الشورى السعودي (خمس المجلس) جيرت لها بهدف  تعزيز حضورها على مستوى صناعة القرار , بالإضافة إلى تبلور  قانون يقضي بقدرة المواطنة السعودية على تمرير جنسيتها لأبنائها .

يبدو إن لبنان ببقعته الصغيرة المتورمة بالغيتوهات الطائفية , له ذاكرة سيئة مع نظام الكوتا , والتي بدورها جذرت وعمقت الحواجز والحدود بين الطوائف هناك , لذا فالجميع هناك لايبدو متحمسا لمشاركة المرأة البرلمانية عبر نظام الكوتا , والأحزاب بدورها لا تحرص على تقديم سيدات للتمثيل النيابي , رغم إن المرأة اللبنانية حاضرة وفاعلة في الفضاء العام منذ وقت طويل , إضافة إلى خلفيتها النشطة نقابيا وداخل مؤسسات المجتمع المدني النسوية في لبنان .

على حين إن التعليم النظامي للمرأة في السعودية لم يبدأ إلا في عام 1960 , لكنها استطاعت  خلال هذه الفترة أن تؤسس أرضية قادرة على أن تستثمر في المقدرات المتاحة لها على المستوى الرسمي , لاسيما وأنها كفيت عناء مطالبتها بمساواة الأجور (وهي المعضلة العالمية التي تكابدها نساء العالم ) فبنود الأجور متساوية في السعودية بين النساء والرجال , ومن هنا استطاعت المواطنات أن يرتبن قائمة أولوياتهن .

وإن كان القرار السياسي في السعودية لاسيما في السنوات الثلاث الأخيرة أسهم في تمرير العديد من المكتسبات للمواطنات  , فإن الكثير من الناشطات النسويات مابرحن يخضن بضرواة  مواجهة معظم ساحاتها وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق المزيد وعلى وجه الخصوص  تلك الحملات التي تطالب بمراجعة المدونة الفقهية ذات الطابع الذكوري البحت والتي تحمل الكثير من المحتوى السلبي الذي تسرب إلى بعض الأنظمة والقوانين الحديثة المتعلقة بالمرأة فيما يتعلق بنظام الولاية والنفقة والحضانة وسواه.

المؤسسة الدينية بدورها لا تمتلك الكثير من الحماس نحو تمكين المواطنة في السعودية , وقانون الأحوال الشخصية مابرح خاضعا لمخاض طويل ومنهك ولم ير النور إلى الآن ,  ولكن حضور المرأة السعودية داخل المؤسسة العدلية أولا كمحامية والآن كضابطة تحقيق  , سيسهم بالتأكيد مستقبلا في تفككيك وحلحلة التصورات السلبية ضد المرأة داخل الأوساط التشريعية وأيضا العدلية .

بعض النسويات الأرثوذكسيات يطلقن على المنجزات التي حققتها النساء في تونس , وفي بعض أنحاء العالم العربي (بنسوية الدولة) , ويرين إن هذا قد يسلب من المرأة استقلالية قرارها .

بالطبع هذا المفهوم يملك الكثير من التشنج المنقطع عن واقعه وعن الصيرورة الزمنية التي اختلفت معها أدوات النضال. فالدولة المستقرة القوية هي الحاضن الأول لمشروع نسوي ناجح ويمتلك مقومات الحياة ضمن برامجها التنموية , فالمرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة , هم من الفئات الهشة التي هي أول من يدفع الأثمان الفادحة في حال الحروب  الاختلال الأمني والاضطرابات الاجتماعية , فما بالنا بالمكتسبات الحقوقية أو السياسية ؟ ولعل التخلخل الحقوقي للمرأة اللبنانية هو بالتأكيد نتاج الخلل في البنية السياسية هناك , والتي حجبت عنها المضي في توسيع دائرة مكتسبات حصلت عليها منذ أكثر من قرن.

أعتقد ليس من المهم للقضايا النسوية أن تنزلق  في مسار التصنيفات والفهرسة , فطالما كان هناك مشروع حي وفاعل ومثمر على الأرض , وتلمس المرأة نتائجة , فبالتالي ليس من المناسب أن نتورط بمنزلق التصنيفات.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي