: آخر تحديث

شكراً روحاني.. قدمتم خدمة جليلة

66
72
65

كثيراً ما كان يرهقني الجدل والنقاش مع بعض الباحثين والمراقبين والخبراء حول حقيقة المشروع الإيراني في المنطقة، وكان البعض يجادل، على سبيل المثال، بأن تصريحات بعض القادة والساسة الإيرانيين، ومنهم علي يونسي، المقرب من الرئيس حسن روحاني ذاته، وتباهيهم العام الماضي باحتلال أربعة عواصم عربية لا تعبر عن الموقف الرسمي للنظام الإيراني، وأن وأن ...

منذ أيام قلائل مضت قدم الرئيس الإيراني لمثل هذا الجدال خدمة جليلة، حيث حسمه بكلمات وردت في كلمة رسمية بثها التلفزيون الايراني، قال فيها "إنه لا يمكن في الوقت الحاضر اتخاذ أي أجراء حاسم في العراق وسوريا ولبنان وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج من دون إيران"!

لم يخرج الرئيس روحاني كثيراً عن سياق ما سبق ترديده على لسان قادة الحرس الثوري، أن "مكانة إيران في المنطقة اليوم أكبر من أي وقت مضى" مادحاً ما وصفه بـ"فطنة قائد الثورة"، وزاد على ماسبق قوله من جانب المتشددين المغالين بضم "شمال أفريقيا" إلى دائرة النفوذ الاستراتيجي الإيراني، التي لا يمكن اتخاذ أي إجراء حاسم فيها من بمعزل عن إيران!!

هذا الكلام، على حداثته، في غاية الخطورة، فهو يعني احتمالات عدة، أخطرها أن إيران موجودة بقوة في منطقة الشمال الافريقي، واعتقد أن الرئيس روحاني يعرف أبجديات الجغرافيا جيداً، ويدرك أن هذه المنطقة تضم مصر وليبيا وتونس والمغرب والجزائر، ولو انه يقصد ليبيا فقد كما يزعم البعض فإنه لن يجد مشقة في ذكر ليبيا بشكل صريح، خصوصاً أنه ذكر سوريا والعراق ولبنان، وهي دول ذات سيادة، وعلى رأسها قادة ورؤساء يديرونها، فما الذي يمنعه من ذكر ليبيا، وهي التي تعاني الانقسام والصراع بين أكثر من حكومة ونظام!!

ظهر روحاني في هذا التصريح متباهياً مفتخراً بإنجازات حققها الحرس الثوري الإيراني بتدخلاتها في المنطقة، وغابت تماماً لهجة روحاني التي يظهرها في توقيتات منتقاة وما يتخللها من حديث عن الرغبة في التعايش وحسن الجوار وبناء علاقات صحية مع الدول المجاورة وغير ذلك من معسول الكلام، الذي يخفي حقيقة النوايا الإيرانية!

غضب رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، ولديه كل الحق، من تصريحات الرئيس الإيراني وقوله أنه لا قرار يتخذ في لبنان دون إيران، ولكن علينا ان نتساءل عن موقف "اللوبي" المدافع عن إيران بين الإعلاميين والباحثين العرب، وهل ارتضى هؤلاء مساس رأس النظام الإيراني، بسيادة واستقلال كل هذه الدول العربية وفرض الوصاية الصريحة عليها والتطاول على كرامة شعوبها؟

لم نقرأ موقفاُ عربياً جماعياً رسمياً تجاه هذه التصريحات التي مرت على الجميع مرور الكرام، وكانها لم تكن، وكأنها تتعلق بدول في كواكب أخرى! وإذا كانت إيران تدعي التحكم في مقدرات منطقة الخليج العربي بحكم اعتبارات الجغرافيا، فإن روحاني يلغي بكلمات قلائل سيادة العراق وسوريا ولبنان وشمال أفريقيا، ولا حياة لمن تنادي!!

هذا هو المشروع الإيراني الذي يتباهى به الرئيس روحاني، مشروع توسعي خبيث يستهدف السيطرة على القرار في دول المنطقة، 

الحقيقة المؤسفة أن الرئيس الإيراني قد تجاوز بتصريحه في حق الدول العربية جميعها، فليست هناك دولة عربية خارج نطاق هذا التصنيف أو النطاق الجغرافي الذي زعم أن إيران تتحكم فيه تماماً، وأن الغرور والغطرسة الفارسية قد بلغت مداها بحديث روحاني عن الأمة الإيرانية المنتصرة وقوله نصاً "مكانة الأمة الإيرانية في المنطقة اليوم أكبر من أي وقت مضى"، في استدعاء عمدي لتاريخ الصراعات القومية مع العرب، وتجاهل عمدي لأي حسابات تتعلق بوحدة الدين والشعارات التي ترددها الثورة الإيرانية في هذا الشأن.

مثل هذه المواقف الإيرانية لا يجب التعامل معها عبر تغريدات تويترية فقط، بل عبر مواقف رسمية عربية جماعية، فلم يعد هناك مجال للتشكيك في التغول الإيراني على الأمن القومي العربي، فالكلام واضح أن هناك دول عربية قرارها بيد إيران، وهو تصريح غير مسؤول بالمرة ويكشف عن غطرسة شديدة وتجاوز لكل المواثيق والأعراف الدولية، ويعبر عن رغبة فارسية في الهيمنة واستدعاء الممارسات الاستعمارية التي عفا عليها الزمن، ويجب التعامل مع هذا الموقف من خلال المجتمع الدولي، ولاسيما الجانب الأوروبي الذي يبدي تفهماً لوجهة النظر الإيرانية، ولا يتحسس خطورة الممارسات العدائية والاستعمارية الإيرانية في المنطقة.

معالم المشروع الإيراني في المنطقة لم ترد فقط على لسان روحاني، ولم تكن زلة لسان عابرة، و مناكفة سياسية معتادة كما يردد البعض، بل قناعة راسخة ومشروع يمضي بوقاحة وسط صمت الجميع، فوزير الاستخبارات الإيراني السابق، حيدر مصلحي، قال في حوار مع "وكالة أنباء فارس" "إن إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية"، وطالب باستمرار دعم الميلشيات في سوريا والعراق ولبنان واليمن، حتى لو كان ذلك على حساب قوت الشعب الإيراني، قائلا "يجب على الشعب الإيراني أن يقلل من طعام سفرته من أجل نصرة ودعم المقاتلين في سوريا والعراق ولبنان واليمن"!!

هل تريدون أدلة أكثر من ذلك حتى يصدق الجميع أن هناك مشروعاً استعمارياً إيرانياً جديداً في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي؟!!

هل هناك من يزعم بعد الآن أن إيران يمكن أن تمثل عنصر استقرار في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط في ظل هذه السياسات التوسعية الرعناء؟ 

ثم ماذا عن ذكر منطقة شمال أفريقيا للمرة الأولى وتصنيفها منطقة نفوذ إيرانية؟ وهل هناك مخطط إيراني بالتعاون مع تنظيمات سنية إرهابية للتوسع في تلك المنطقة؟ تساؤلات وشكوك كثيرة تغلف الدور الإيراني ولا تجد لها إجابات فورية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في