: آخر تحديث
من مفكرة سفير عربي في اليابان

الجنس الثالث؟

191
187
166

قرأت في الصحافة العربية، في الأسبوع الماضي، عن القاء القبض على مجموعة من الأفراد، كانوا يحتفلون في مزرعة، للاشتباه بسوء اخلاقيات متعلقة بموضوع الجنس الثالث، ومن المقرر ان يقدموا للمحاكمة. ويبقى السؤال: ما هو مفهوم الجنس الثالث؟ وهل من المهم معرفة التفاصيل العلمية لكي تكون المحاكمة منصفة؟ وما القصد من هذه المحاكمة؟ هل للوقاية من السلوكيات اللاأخلاقية في المجتمع؟ أم محاسبة المخطئ على خطأه؟ أم القصد إصلاح هذا المخطئ، وارجاعه للمجتمع، ليلعب دورا في نماءه أخلاقيا واجتماعيا واقتصاديا؟ وهل من الممكن خلق التنمية المستدامة بدون اخلاق سلوك مواطنة صالحة؟

وليسمح لي عزيزي القارئ بطرح أسئلة أخرى: هل الجنس الثالث سوء سلوك أخلاقي أم اختلاط في تكوين البنية الجنسية؟ وهل يتعلق تكوين البنية الجنسية بجزئيين، جزء عقلي نفسي، وجزء بدني جسمي؟ وهل يرتبط ذلك بالتكون الجيني الوراثي للشخص نتيجة اضطراب طفرة وراثية جينية؟ وهل يختلف ذلك عن الخنوثة الحقيقية والخنوثة الكاذبة؟ وهل الخنوثة تشوه ولادي بدني متعلق باختلاط الأجهزة التناسلية، بينما مفهوم الجنس الثالث متعلق باختلاط عقلي نفسي؟ وهل هناك عقل ذكوري وعقل أنثوي؟ وهل ممكن ان يحدث اختلاط وراثي جيني يؤدي لان يكون عقل الفرد ذكوري بينما تكون اجهزته التناسلية أنثوية، أو بالعكس ان تكون اجهزته التناسلية ذكورية بينما يكون عقله أنثوي؟

لقد دعيت لاحتفالية من قبل الصليب الأحمر الياباني لجمع التبرعات للاماكن المنكوبة في العالم، وقد حضر هذه الاحتفالية مجموعة من الشخصيات من القطاع الحكومي والقطاع الخاص، مع عدد من المحامين والأطباء ومشاهير رجال الإعلام والممثلين والموسيقيين. وقد ضم برنامج الحفل كلمات من منظمي الاحتفالية مع برنامج ثقافي فني ولينتهي البرنامج بعرض مجموعة من اللوحات الفنية والمجوهرات التي جمعها منظمي الاحتفالية كتبرعات من الفنانين اليابانيين ومن تجار المجوهرات في طوكيو. وقد عرضت هذه المقتنيات الثمينة على ضيوف الاحتفالية للبيع، وبتنافس لدفع اعلى سعر ممكن، لجمع تبرعات للمناطق المنكوبة في العالم. وقد برزت على خشبة المسرح مشاهير الممثلات اليابانيات لعرض هذه التحف والمجوهرات. وفي خلال برنامج الاحتفالية قدمت لي منظمة الاحتفالية بعض الفنانين اليابانيين، وكانت من ضمنهم ممثلة يابانية مشهورة في الدعايات التلفزيونية اليابانية. وحينما عرفت هذه السيدة بأنني جراح للأطفال عرفتني بنفسها، واخبرتني بانها ولدت كمولود ذكوري، وحينما وصلت لسن المراهقة احست بأن هناك اختلاط نفسي في شخصيتها، فمع ان جسمها كان جسم رجل، ولكن احساساتها العقلية ورغباتها النفسية كانت أنثوية، لذلك تمت تحويلها لامرأة، بعد إعطاءها الطبيب المختص بعض الهرمونات الأنثوية، مع اجراء عمليات جراحية لأجهزتها التناسلية. تصور عزيزي القارئ كيف استطاعت هذه الشخصية ان تعيش بشكل طبيعي في المجتمع الياباني، وان يتقبل اختلافها الشعب الياباني بشكل تناغمي جميل، بل ولكي تصبح من أشهر ممثلات الدعاية التلفزيونية في اليابان.

لقد خلق الخالق، جلت عظمته، الإنسان من نصفي خلية، وهما الحيوان المنوي والبويضة. ويبدأ تشكل المضغة حينما يخترق الحيوان المنوي جدار البويضة، لتشكل أول خلية جنينية. وتجمع هذه الخلية الجنينية نصف المورثات من الاب ونصف المورثات الأخرى من الام. وتتكون خلايا جسم الإنسان من ستة وأربعين مورثة جسمية ومورثتين جنسيتين، أحدهما مورثة أنثوية تعرف بمورثة "اكس"، والأخرى مورثة ذكورية تعرف بالمورثة "واي". وتحتوي جميع خلايا المرأة على مورثتين انثويتين، بينما تحتوي خلايا الرجل على مورثة ذكورية ومورثة أخرى أنثوية. وتحتوي بويضة المرأة على مورثة جنسية أنثوية فقط، بينما يحتوي الحيوان المنوي اما على مورثة أنثوية أو على مورثة ذكورية. ويبدأ تكون مضغة الجنين حينما يخترق الحيوان المنوي الذي يحتوي على مورثة ذكورية، جدار البويضة والتي تحتوي على مورثة جنسية أنثوية، وليؤدي ذلك لتكون مضغة جنين ذكوري، وحينما يخترق حيوان منوي يحتوي على مورثة جنسية أنثوية، جدار البويضة، يؤدي ذلك لتشكل مضغة جنين أنثوي.

والجدير بالذكر بانه حينما يخترق الحيوان المنوي جدار البويضة تختلط مورثات الحيوان المنوي مع مورثات البويضة لتشكل أول خلية جنينية، والتي تبدأ في الانقسام المستمر لتشكل المضغة، والتي تتميز خلاياها في ثلاث طبقات، طبقة خارجية يتشكل منها أعضاء عديدة كالجلد، وطبقة داخلية تتشكل أجهزة كالجهاز الهضمي، وطبقة متوسطة يتكون منها الجهاز العضلي والعظمي. وبعدها يستمر تشكل الجنين، وذلك بأن تتميز الخلايا الجنينية وتختص في وظيفة معينة، لتشكل مختلف أعضاء الجسم، من خلايا الجلد التي تغطي الجسم وتحميه وحتى الخلايا العصبية. كما تتميز بعض الخلايا لتشكل الجهاز التناسلي الداخلي والخارجي. وفي بداية الحياة الجنينية تتكون كتلة من الخلايا تتميز مستقبلا إلى ما يسمى بالمبيض في المرأة أو الخصية في الرجل، ومع أنابيب تناسلية داخلية أنثوية تشكل الرحم وأنابيب المبيض والمهبل، أو أنابيب تناسلية ذكورية وهي الحويصلة المنوية والبروستاتة، ومع تشكل العضو التناسلي الخارجي، وهو البظر في الأنثى والقضيب في الذكر. ويعتمد تشكل الجهاز التناسلي الذكوري على وجود المورثة الجنسية الذكورية المعروفة بالمورثة الجنسية "واي". كما ان وجود المورثة الذكورية تلعب دورا مهما في تشكل المخ الذكوري. بمعنى أن هناك عقل ذكوري، في الذكور، وعقل أنثوي في الإناث، يحدد طبيعة والرغبة الجنسية عند كل منهما. ومع تكملة نمو الجنين في نهاية الشهر التاسع من الحمل يكون قد تشكلت المميزات الخاصة بالطفل، اما كذكر، بعقل ذكوري، مع الخصيتين، والانابيب المنوية، والحويصلة المنوية، والبروستاتة، والقضيب، أو كأنثى، بعقل أنثوي، مع مبيضين، وأنابيب المبيض، والرحم والمهبل، والفرج والبظر، وطبعا هنا نتحدث عن النمو الطبيعي للأجهزة التناسلية في الذكر والأنثى.

ولنتذكر بان النمو الجنسي للجنين قد يتعرض لاضطرابات جينية مورثية، تؤدي لتكوينات نفسية عقلية داخلية مغايرة، أو لتشوهات في الأجهزة الجنسية الداخلية والخارجية، لينتج من ذلك اختلاط في الجنس، ليبدو الطفل ذكرا وهو في الحقيقة أنثى، أو ليبدو الطفل أنثى وهو في الحقيقة ذكر، أو قد يجمع الطفل بين الذكورة والانوثة، أي بأن يجمع بين المبيض والخصية، وبين الرحم والبروستاتة، وبين البظر والقضيب. وقد يجمع أحيانا بين عقل ذكري وأجهزة تناسلية أنثوية، أو بين عقل أنثوي وأجهزة تناسلية ذكورية.

لنتفهم عزيزي القارئ هذه التغيرات الجنسية علينا ان نتذكر بان جسم الإنسان يتكون من وحدات صغيرة تسمى بالخلايا، وتشكل هذه الخلايا أعضاء الجسم المختلفة، فالخلايا العضلية تشكل الجهاز العضلي، والخلايا العظمية تشكل الجهاز العظمي، والخلايا العصبية تشكل الجهاز العصبي، والخلايا الجلدية تغطي جسم الانسان، وتحميه من العوامل الخارجية المحيطة، بينما تلعب الخلايا الهضمية دورا مهما في عمليات الهضم وامتصاص الغذاء. وتتكون الخلية من جدار بروتيني، وفي داخله مادة هلامية، تحتوي ضمنها على مصانع عديدة، بعضها مصانع لإنتاج الطاقة، وبعضها الآخر متخصصة بصناعة المواد البروتينية التي يحتاج لها الجسم لتشكيل انسجته المختلفة، كما ان هناك مصانع تقوم بصناعة الهرمونات والتي هي مسئولة عن تنظيم جميع وظائف الجسم وتناغم عملها. كما يوجد في مركز الخلية نواة تحتوي على المورثات، والتي تتكون من وحدات صغيرة تسمى بالجينات. وتتكون الجينات من مادة تسمى بالحمض الريبي النووي الغير مؤكسج، والمعروفة بمادة "دي إن ايه"، والتي بها شفرات بيولوجية توجهه وتسيطر على جميع خطوات العمل في مصانع الخلية المختلفة.

وكما ذكرنا سابقا، يوجد في خلايا الإنسان ستة وأربعين مورثة جسيمة، تحدد تكون الأجزاء المختلفة من جسم الإنسان، كما ان هناك مورثة أنثوية بها جينات تقرر تشكل الجهاز الجنسي الأنثوي من المبيض وحتى الرحم والمهبل والبظر، ومورثة ذكورية بها جينات تقرر تشكل الجهاز التناسلي الذكوري من الخصية والحويصلة المنوية، وحتى البروستاتة والقضيب. ويبدأ تشكل الجهاز التناسلي في وقت مبكر من الحمل، وذلك بتحول الخلايا الجنينية إلى خلايا متخصصة في تشكيل المبيض أو الخصية، وذلك بتأثير عمل الجينات الموجودة في المورثة الأنثوية المسماة بالمورثة اكس، أو الجينات الموجودة في المورثة الذكورية المسماة بالمورثة واي. وحينما تتشكل خلايا الخصية في الجنين تبدأ تنتج هرمون ذكوري، يسمى بهرمون التستوسترون، الذي يؤدي لنمو الأجهزة التناسلية الخارجية الذكورية، من البروستاتة وحتى الحويصلة المنوية، وحتى القضيب. ولو انخفضت نسبة هذا الهرمون الذكوري، التستوسترون، سيؤدي ذلك لعدم نمو القضيب بشكل سليم، ليتحول شكله لقضيب معقوف، مع تحول فتحة البول، إلى منطقة العانة، أو قد يختفي تماما القضيب في داخل جلد العانة، ولتنفتح قناة البول في جلد العانة، كالإناث، ليعتقد الاهل بالخطأ بان المولود أنثى، مع انه في الواقع ذكرا. ولو أجريت لهذا الطفل عملية جراحية لتعديل شكل القضيب واخراجه من تحت جلد العانة، سيبدو ذكرا طبيعيا. ولو ارتفعت نسبة الهرمون الذكوري بالخطأ في جنين أنثوي، سيؤدي ذلك لنمو البظر وكأنه القضيب، وليعتقد الاهل بالخطأ بان المولود ذكر مع انه في الحقيقة أنثى. وطبعا من السهل اجراء عملية لهذه المولودة لكي يقلص حجم القضيب إلى حجم البظر، لتصبح طفلة طبيعية. كما قد يكون هناك في بعض الأحيان خنوثة حقيقية ليجمع في الطفل الوليد الخصية والمبيض، مع القضيب والفرج، وفي هذه الحالات يمكن ان يستطيع هذا الشخص مستقبلا ان يحمل المرأة بالحيوانات المنوية من خصيته، كما يمكن ان يحمل هو من دخول الحيوانات المنوية من قضيب شخص آخر في فرجه. وتعتبر كل هذه الحالات نوع من الخنوثة الكاذبة أو الخنوثة الحقيقية، حينما يختلط في الفرد الجهاز التناسلي الذكوري والانثوي في نفس الوقت. فجميع هذه التشوهات هي تشوهات جنسية ولادية يمكن إصلاحها بالعملية الجراحية عادة، وهنا من الضرورة ان نفرق بين الخنوثة الكاذبة، والخنوثة الحقيقية، والجنس الثالث، كما يجب ان نفرق بين مفهوم اللغوي الشعبي السلوكي والأخلاقي لمعنى كلمة الخنوثة والمفهوم العلمي الطبي.

فالجنس الثالث هو شخص بجهاز تناسلي طبيعي، ولكن المشكلة في تضاد المخ مع الجهاز التناسلي، أي ان يكون الجهاز التناسلي جهاز تناسلي ذكوري، بينما يكون المخ هو مخ أنثوي، ليحس هذا الفرد بانه أنثى، وينشد للرجال، أو بالعكس قد يكون هذا الشخص بجهاز تناسلي أنثوي، بينما يكون المخ مخ ذكوري، ليحس هذا الفرد بانه ذكر وينشد للنساء. وطبعا معالجة هذه المشكلة ليس سهلا، حيث يصر هؤلاء الأشخاص على تغير اجهزتهم التناسلية حسب شعورهم النفسي العقلي. فالشخص الذي يحس نفسيا وعقليا بانه إمرأة، مع ان اجهزته التناسلية ذكورية، يصر ان يعيش كامرأة ليحافظ على توازنه النفسي والعاطفي، ولذلك يصر على علاج يتخلص من خلاله من القضيب والخصيتين، وبحيث ان يقوم الجراح بتشكيل فرج جديد له وعادة باستخدام جزء من الأمعاء. بينما الفرد الذي يحس عقليا بانه رجل مع ان أجهزته التناسلية أنثوية، يصر بان يعيش كرجل، ويحاول ان يقنع الجراح بأن يستأصل المبيضين والرحم، وان يعطى هرمونات ذكرية، وتجرى له عملية جراحية، لكي يشكل له قضيب نصفه من الجلد والنصف الآخر قضيب سليكون صناعي، يمكن ان ينتصب ويدخل في الفرج. ولنا لقاء.

سفير مملكة البحرين في اليابان


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في