: آخر تحديث

يوم الوحدة العربية الناجحة  

80
64
55
مواضيع ذات صلة

   أحمد يوسف أحمد

احتفلت دولة الإمارات العزيزة منذ يومين بعيد تأسيسها السابع والأربعين، وهو يوم لا يخص مواطنيها فحسب، وإنما شأن لكل عربي مؤمن بعروبته معتز بها لسبب بدهي، وهو أن تجربة دولة الإمارات العربية هي التجربة الوحيدة الباقية لوحدة عربية ناجحة، ذلك أن حكمة مؤسسها صاحب الدور التاريخي في وطنه وأمته وحكمة رفاقه قد صبغت هذه التجربة منذ بدايتها بسمات ضمنت ولادة قوية واستمراراً آمناً ونمواً هائلاً لها، ودوراً عربياً رائداً ومكانة دولية محترمة. وكمواطن عربي، أحب دائماً أن أنظر لهذه التجربة الرائدة من منظور دلالتها بالنسبة لتحقيق هدف الوحدة العربية الذي بات الآن بعيد المنال في الظروف العربية الراهنة، ولقد سبقت الوحدة المصرية-السورية تجربة الإمارات بثلاث عشرة سنة، فكان لها أثرها الاستراتيجي غير المسبوق في النطاق العربي، لكنها في الوقت نفسه عانت بعد بدايتها بوقت قصير من عيوب بنيوية انبثقت أساساً من صيغة الوحدة الاندماجية التي أخذت بها والتي لا تلائم بحال تحقيق التوازن بين أطراف الوحدة الذين يتباينون في عدد من المقومات على نحو يخلق مشكلات، لعل أهمها مشكلة العلاقة بين الوحدات الكبيرة وتلك الصغيرة في وحدة ما، مما يجعل «الكبير» يخشى من تحكم «الصغير» فيه والأخير يخشى من طغيان «الكبير» عليه، وهي مشكلة أبدعت التجربة الأميركية في حلها بالصيغة الفيدرالية التي نجحت في خلق وحدة متينة راسخة بين ولايات وصل عددها الآن إلى خمسين تتباين تبايناً كبيراً في كل شيء من المساحة إلى عدد السكان إلى الثروة وهكذا، ومن أسف أن المزايدات السياسية في الفترة التي سبقت تأسيس الوحدة المصرية-السورية جعلت الخيار الفيدرالي يبدو وكأنه خيانة لهدف الوحدة التي لن تكون كذلك إلا بالصيغة الاندماجية التي دفعت الوحدة بقاءها ذاته ثمناً باهظاً للأخذ بها.


وإذا كانت تجربة الإمارات قد اشتركت مع الوحدة المصرية-السورية في طابعها السلمي التوافقي الديمقراطي، فإنها تميزت عنها في تفادي الصيغة الاندماجية وأخذت بالصيغة الفيدرالية التي ضمنت بطبيعتها التوازنية التفاعل التعاوني الخلاق بين أطراف الوحدة الذي ضمن لها الاستمرار والتقدم حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، والواقع أن إيمان الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بقضية الوحدة وإخلاصه لها مع الذين شاركوه هذا الإنجاز يُعد نموذجاً لما يجب أن يكون عليه أي مسعى نحو تحقيق وحدة عربية.


ويلاحظ أن الإيمان بقضية الوحدة قد بلغ الحد الذي جعل قيامها يتزامن مع الاستقلال، وهو ما تتميز به عن غيرها من التجارب العربية، فقد قامت الوحدة المصرية-السورية بعد أكثر من عقد على استقلال سوريا ومن عقدين على استقلال مصر، كما أن الوحدة اليمنية قد قامت بعد ثلاث عشرة سنة من استقلال الجنوب، والتي وقعت للأسف في فخ الصيغة الاندماجية نتيجة المزايدات نفسها، فكان ما كان من مشكلات جسيمة أدت إلى حرب داخلية بعد أربع سنوات من قيامها ومظالم حلت بأبناء الجنوب نتيجة ممارسات نظام الحكم السابق بحقهم بعد أن تحقق له الانتصار في الحرب. ولقد واصل الشيخ زايد دوره الوحدوي لاحقاً في النطاق الخليجي، فساهم مع أشقائه من حكام دول الخليج العربية في تأسيس مجلس للتعاون بينها بعد عقد واحد على قيام دولة الإمارات، ومثل هذا المجلس تجربة ناجحة لتجمع عربي فرعي يتحسب لتحديات على رأسها الثورة الإيرانية وما ترتب عليها من مشروع جديد للهيمنة الإقليمية، يستند هذه المرة إلى مبدأ تصدير الثورة بدعوى حماية المستضعفين، وظل هذا المجلس يمثل الورقة الناضرة الوحيدة في شجرة التجمعات الفرعية العربية، حتى تكفلت سياسة النظام القطري بالمساس بتماسكه.


على أن تجربة الوحدة الإماراتية لم تكن مجرد نموذج يُحتذى للصيغة المنشودة للوحدة العربية وإنما امتد عطاؤها إلى محيطها العربي الواسع، بل إن هذا العطاء قد سبق نشأة دولة الإمارات بالقرار التاريخي للشيخ زايد حاكم أبوظبي آنذاك عندما كان أول من استخدم سلاح البترول في أعقاب عدوان 1967، وبعدها لم تنكص الإمارات عن أي دور يخدم أمتها العربية، انتهاءً بدورها الراهن في الدفاع عن الشرعية اليمنية ضد التدخلات الإيرانية، فهنيئاً للإمارات وشعبها بيومها الوطني وهنيئاً للأمة العربية بهذه التجربة الرائدة.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد