: آخر تحديث

حينما التقيت خاشقجي

56
68
67
مواضيع ذات صلة

 فهد الأحمري  

صدور بيان الحقيقة من الرياض قبل أي بلد آخر، له دلالات عظمى، وهو بالتالي نزل كالطامة للمتربصين ببلادنا، لكونه أوقف أساليب التشويه الذي مارسوه

صبيحة إعلان السعودية مقتل جمال خاشقجي في قنصليتها في إسطنبول لم يحزن عليه أحد كما حزن السعوديون أنفسهم. عبّروا عن ذلك من خلال رسائلهم الخاصة والعامة، حتى إنهم أنشؤوا الوسوم على منصة تويتر منذ اللحظات الأولى للدعوات له ولعزاء أهله وذويه، بخلاف أصحاب قنوات الفتنة الذين رأينا على ملامحهم الفرح والسرور، بعد البيان السعودي، من خلال برامجهم وتقاريرهم، رغم تباكيهم ونواحهم قبله. 


تناقل بعض الزملاء في الوسط الإعلامي السعودي، تعامل خاشقجي الراقي ومهنيته العالية، يعرف هذا من عمل معه إبّان توليه رئاسة هذه الصحيفة، تحديدا. 
شخصيا، التقيتُ بالأستاذ جمال -رحمه الله- في مناسبات عدة. أحد تلك اللقاءات كان في أبوظبي أثناء إلقائه محاضرة في مركز أبحاث بحضور العديد من الشخصيات السياسية والإعلامية وعشرات الباحثين والمهتمين من مختلف الدول. بعد محاضرته فتح النقاش. تلقّى، يومها، سيلا من تعليقات الحضور، المؤتلفة والمختلفة، وكان يهتم بالمختلفة أكثر ويرد بأدب جم قلّ نظيره. 


سلّمتُ عليه بعد اللقاء وخلوّ المكان، نسبيا. أسرّيت إليه ممازحا: ألا تلاحظ شيئا مختلفا في الحضور، قال ما هو؟ قلت اثنان هنا فقط -وأشير لشخصه ونفسي- يعتمران «الشماغ». تبسّم وقال: «فخور بحضورك أخي فهد»، ثم دعوته لمنزلي في دبي ووعد بذلك. 
بعد خروجه للإقامة في أميركا، كان يرفض أن يُصنف بأنه معارض لبلده، ولم يكن المواطن السعودي يرى في جمال معارضا، فضلا عن حكومته التي أذنت له بمغادرة البلاد، ولو كان هناك سوء طوية لشخصه لم تكن لتأذن له بالسفر من أراضيها. كان الرجل محبا لوطنه، وكان من تصريحاته الأخيرة لصحيفة DW الألمانية قوله:
«ترامب مخطئ عندما يظن أنه هو من يحمي السعودية في مواجهة إيران: إن افترضنا أنها ستواجه إيران فستكون حربا مكلفة على الطرفين وعلى العالم. أما السعودية فهي تملك قوة كافية لحماية نفسها، ولا تحتاج سوى أن تعرف من هم حلفاؤها». 
ثم يعقب على مغرد سعودي: «وطني وأهلي يا عبدالله».
ما حصل للفقيد من نهاية محزنة كان تصرفا فرديا يحصل في أي مكان. الشجارات التي تنتهي بنهايات مأساوية تحدث حتى بين أفراد البيت الواحد، غير أن الحاقدين ليس قضيتهم موت جمال، بل قضيتهم الكبرى موت السعودية، وهيهات، فقد تعرّض وطننا لأعظم من هذا (وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا). 


‫البلد الذي، دوما، ديدنه العدل والإنصاف في كل العهود، فما بالك بعهد سلمان الحزم، والذي لا يفرّق -في الحق- بين كبير وصغير، غني وفقير، والذي لن يألو جهداً في محاسبة من تغوّل على الفقيد والانتصار له ولغيره، نصرة للحق وإعلاءً لهامة الوطن.‬ بلد العدالة والشفافية، لا يتستر على الجرائم كما حصل في غيره. فقد تم اغتيال رئيس الشيشان سليم خان عام 2004 في قطر، واغتيل نجل رئيس الوزراء التركي مسعود يلماز العام الماضي وحدث التكتم على مصير القتلة. أخيرا، وقبل شهرين فقط، حدث صمت قطري في اغتيال بطل كمال الأجسام السوداني محمد عبداللطيف، وغير ذلك من أحداث القتل في دول عديدة انتهت دون أن يعترف بها أحد، بينما المملكة العربية السعودية شكّلت لجنة للتحقيق في قضية جمال برئاسة النائب العام، لتخرج باعتراف بوفاته داخل قنصلية بلده في تركيا، ثم شرعت في محاسبة المتورطين علنا وأمام المجتمع الدولي. 
صدور بيان الحقيقة، بشكل رسمي، من الرياض قبل أي بلد آخر، له دلالات عظمى، وهو بالتالي نزل كالطامة للمتربصين ببلادنا لكونه أوقف أساليب التشويه الذي مارسوه، وأوقف أيضا دعاوى الابتزاز السياسي والاقتصادي التي تعالت ليقطع الطريق أمام المرتزقة، ويخرس الألسن التي تلهث للولوغ في عدالة بلد العدالة.


إن إعلان محاكمة المتورطين بمقتل خاشقجي عملية سعودية جريئة ونادرة، على مستوى العالم، وبالتالي فإن الرياض تقدم دروسا للعالم أجمع، في منهج العدالة والشفافية.
إن من العجب الذي لا ينقضي منه العجب، أن ترى من ارتفعت أصواتهم دفاعا عن الدماء، خصوصا في قضية خاشقجي، هم ممن تلطخت أياديهم بالدماء. فهناك الدويلة القطرية التي لو سالت دماء قتلاها، ظلما وعدوانا، لأغرقت سكان قطر ولوثت ما حولها من بحار. تشهد بذلك الدماء التي سالت في سورية والصومال وليبيا والسودان والعراق ومصر وغيرها، فضلا عن مخططها لاغتيالات زعماء وشخصيات باءت بالفشل. 
وفي العالم الغربي، أيضا، هناك بعض الأسماء السياسية والإعلامية التي تتظاهر بالدفاع عن حقوق الإنسان، في قضية جمال تحديدا، بينما بلادهم هي التي سفكت دماء الأبرياء في الوطن العربي وغير الوطن العربي، لكنها «شنشنة نعرفها من أخزم».
 

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد