: آخر تحديث

FINANCIAL TIMES الهجرة تطرح مفهوم شعب الظل.. في أوروبا  

77
85
66
مواضيع ذات صلة

 FINANCIAL TIMES

الهجرة تطرح مفهوم شعب الظل.. في أوروبا

  مايكل بيل وجيم برونسدن  

هربت لينيس من فنزويلا مسقط رأسها قبل عقد من الزمان، بسبب المشاكل التي عمت خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق هوجو شافيز. توفي والدها على يد عصابة إجرامية، في الوقت الذي كانت تلوح فيه أزمة اقتصادية وسياسية طاحنة. سافرت إلى برشلونة بتأشيرة سياحية للانضمام إلى قريب لها، ولم تعد قط.
والآن هي في منتصف الأربعينيات من عمرها، وتعيش فما يصفه خبراء الهجرة بأنه وضع "غير نظامي" منذ ذلك الحين، دون إذن رسمي بالبقاء. 


كانت تعمل في السابق مديرة للموارد البشرية في بلدها، وعملت في العاصمة الكاتالونية أساسا كخادمة، ما عزز دخلها بنحو 700 يورو في الشهر، مع وظائف مجزأة تدفع لها 35-40 يورو في كل مرة.
هي ليست وحدها. لينيس - ليس اسمها الحقيقي - هي جزء من سكان الظل الذين يعيشون في أوروبا الذين سبقوا وصول عدة ملايين من الناس في القارة في السنوات القليلة الماضية، وسط الحروب والفوضى في مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا. 
هذا التدفق، الذي غذى النزعة المناهضة للتكامل الأوروبي، إن كان قد أسهم في شيء، فإنه عمل على تعقيد مصير لينيس وغيرها من المهاجرين غير النظاميين.
هي الآن تستخدم خدمة أنشأتها إدارة برشلونة المحلية للمساعدة على تطبيع المهاجرين غير النظاميين، وإحضارهم من هوامش المجتمع. تشعر بالدهشة بسبب الخطاب المناهض للمهاجرين من السياسيين، الذين يشيرون إلى أن الناس من أمثالها يفضلون العيش في الشفق القانوني، دون الوصول إلى كثير من الخدمات - أو الحماية الرسمية. 
وتقول في مقابلة في مكاتب الإدارة المحلية، على مرمى حجر من الحشود السياحية في بلازا دي إسبانيا: "أعتقد أن هناك حدا أدنى للإنسان يجب أن يحق له الحصول عليه. أقترح على قادة هذه الأحزاب محاولة العيش كمهاجرين غير نظاميين في بلد آخر، في وقت ما".
من المرجح أن يتخذ مصير لينيس وغيرها من المهاجرين غير النظاميين دورا أكثر مركزية في النزاعات الأوروبية المتسعة بشأن الهجرة. هم مجموعة متنوعة: كثيرون وصلوا بشكل قانوني، كما فعلت لينيس، بتأشيرات لقضاء الإجازة أو العمل أو تأشيرات عائلية انتهت منذ ذلك الحين، أو أصبحت غير صالحة بسبب التغيرات في الظروف الشخصية. جاء آخرون سرا ولم يتمتعوا قط بأي حق قانوني للبقاء.
المجموعة التي تتعرض لأكبر قدر من التدقيق، والتي غالبا ما تتعرض للهجوم وتوصم بصفات سيئة للغاية، من طالبي اللجوء الذين فشلت مطالباتهم، تتزايد أعدادهم في الوقت الذي تتقدم فيه قضاياهم من خلال عملية اتخاذ القرارات والطعون نتيجة الاندفاع في عدد المهاجرين الوافدين إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2015 وعام 2016 - حين تقدم أكثر من 2.5 مليون شخص للحصول على اللجوء في التكتل. 


نحو نصف الطلبات الابتدائية فشلت بين عامي 2015 و2017، ولكن كثيرا من الذين رفضت طلباتهم لا يمكن إعادتهم إلى أوطانهم بسهولة - أو حتى على الإطلاق.
مسألة ما يجب فعله بشأن طالبي اللجوء المرفوضين وبقية سكان الظل في أوروبا هي مسألة يتجنبها عدد كبير من الحكومات. نوبات من الخطابة المعادية والأهداف غير الواقعية - مثل تعهد الحكومة الإيطالية هذا العام بطرد نصف مليون مهاجر غير نظامي - تخفي فشلا هيكليا في التعامل مع الجوانب العملية. آخر ما يودون الاعتراف به هو أن هناك مجموعة من الناس ليسوا غير موثقين فحسب، بل أيضا غير مشمولين في الإحصائيات، وغالبا ما يكونون غير مبلغ عنهم.
هيمنت إدارة الهجرة على الانتخابات الوطنية وعلى أجندة الاتحاد الأوروبي، ستتم مناقشتها مرة أخرى في لقاء للزعماء في بروكسل يوم 18 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، على الرغم من أن أقل من 100 ألف شخص وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي عبر البحر الأبيض المتوسط هذا العام، مقارنة بأكثر من مليون في عام 2015. 
ويرجع هذا الانخفاض جزئيا إلى اتفاق عام 2016 الذي بموجبه وافق الاتحاد الأوروبي على دفع مبلغ أولي يبلغ 6 مليارات يورو إلى تركيا، لتقبل استعادة الأشخاص الذين يسافرون من أراضيها إلى الجزر اليونانية.
تسعى كثير من الحكومات إلى رفض تقديم الخدمات للمهاجرين غير النظاميين وإلى طردهم - وهي سياسات يمكن أن توجد لهذه الحكومات تكاليف بشرية حادة. السلطات في عدد متزايد من المدن من برشلونة إلى بروكسل خلصت إلى أن الجمع بين المواقف العدائية والإهمال البيروقراطي أمر مدمر. 
تقع هذه المدن على خط المواجهة للتعامل مع المقيمين غير النظاميين من إفريقيا والشرق الأوسط وأماكن أخرى. قامت السلطات المحلية بدرجات متفاوتة بإدخال هؤلاء السكان إلى النظام، من خلال تقديم خدمات مثل الرعاية الصحية ودورات اللغة وحتى المساعدة القانونية.
الحجة هي في جزء منها إنسانية، ولكنها أيضا براجماتية، إذ يمكن أن يساعد على منع تهديدات الصحة العامة، والجريمة، وممارسات التوظيف الاستغلالية - ونوع الانعزالية التي يمكن أن تمزق المجتمعات.


يقول رامون ساناهوجا، مدير الهجرة في مجلس المدينة في برشلونة: "إذا قمنا بتوفير طرق للناس لإيجاد طريقهم ليسلكوه في مدينتنا فمن المحتمل أنهم سيحصلون بعد ذلك على التنظيم، وسيستقيم وضع مستنداتهم. هذا أفضل للجميع".
حجم سكان الظل في أوروبا غير معروف - لكن الخبراء يعتبرون أنه حجم لا يستهان به ومتزايد. كان الجهد الأكثر شمولا لقياسه من خلال مشروع يموله الاتحاد الأوروبي يدعى كلانديستينو، الذي قدر عدد المهاجرين غير النظاميين بين 1.9 و3.8 مليون عام 2008 - وهو رقم لافت للنظر من حيث هامش الخطأ الواسع، وعدم وجود تحديثات له منذ ذلك الحين، على الرغم من تدفق الهجرة الداخلة بعد 2015.
يأتي مقياس أقرب إلى الوقت الحاضر، ولكنه غير دقيق أيضا، لمقارنة أعداد الأشخاص الذين طلبوا مغادرة الاتحاد الأوروبي سنويا بالأعداد التي ذهبت فعليا. 
بين عامي 2008 و 2017، صدرت تعليمات لأكثر من خمسة ملايين مواطن من خارج الاتحاد الأوروبي بمغادرة الاتحاد. نحو مليوني شخص فحسب، هم من عادوا إلى بلدان خارج الاتحاد، وفقا للبيانات الرسمية.
في حين أن هاتين المجموعتين من الأعداد لا تتطابقان بالضبط - فالناس لا يغادرون بالضرورة في العام نفسه الذي يؤمرون به للقيام بذلك – إلا أن الأرقام تشير إلى أن عدة ملايين من الأشخاص انضموا إلى مجتمع الظل الأوروبي في العقد الماضي أو نحو ذلك. 
ومن المرجح أن تتضخم المجموعة بشكل أكبر مع تدفق الكثير من الطعون النهائية لقضايا اللجوء المقدمة منذ عام 2015.
ويساعد هذا جزئيا على تفسير سبب تركيز الاتحاد الأوروبي على تحسين معدل عودة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية، وهو ما انخفض رسميا من 46 في المائة في عام 2016 إلى 37 في المائة في العام الماضي. 
في حين أن العقبات التي تحول دون العودة إلى الوطن هي في بعض الأحيان قانونية - لأن بعض بلدان المنشأ تعتبر غير آمنة – إلا أنها في الغالب عملية. 
وغالبا ما ترفض بلدان منشأ الناس قبولهم، لأنهم لا يملكون وثائق أو أن السلطات تشكك في كون أوراقهم أصلية. لا يستطيع المهاجرون الانتقال إلى الاتحاد الأوروبي أو العودة إلى ديارهم: ليس لديهم مكان يذهبون إليه.
يقول هان بيرينز، المدير المشارك في معهد سياسة الهجرة في أوروبا، وهو مؤسسة فكرية: "حجم الأشخاص الذين يعيشون في حالة من عدم اليقين في الاتحاد الأوروبي سينمو لا غير، لذا فإنه يمثل مشكلة حقيقية. في حين أن الخطاب على المستوى الوطني سيكون ’هؤلاء الناس لا يستطيعون البقاء‘، على مستوى المجتمع المحلي هؤلاء الناس بحاجة إلى البقاء على قيد الحياة".
عندما سافر سيرج باجامبولا إلى بروكسل بتأشيرة طالب في عام 2009، لم يتخيل أبدا أنه بعد 10 سنوات سيعيش في البلاد بشكل غير قانوني. جاء هذا الرجل البالغ من العمر 56 عاما إلى بلجيكا من موطنه الكونغو برازافيل للدراسة، والحصول على درجة الماجستير في جامعة بروكسل. 


بمجرد انتهاء دراسته، أقنعه الوضع السياسي المتدهور وقلة فرص العمل في بلده بالبقاء. وهو الآن جزء من حركة منظمة للعمال البلجيكيين الذين لا يحملون وثائق - والمعروفة باسم "بلا أوراق" - الذين يبحثون عن المزيد من الحقوق والاعتراف بدرجة أكبر بمساهمتهم الاقتصادية. وكما يقول في مقهى في محطة جار دي ميدي Gare du Midi في بروكسل، حيث تنتشر طرق القطارات في أنحاء أوروبا: "السلطات لا يمكنها أن تتجاهلنا ببساطة. نحن بحاجة إلى تصويب أوضاعنا".
لا تنشر الحكومة البلجيكية تقديرات حول عدد المهاجرين غير الشرعيين في البلاد، لكن المنظمات غير الحكومية تقدر العدد بأنه مئات الآلاف. بروكسل هي نقطة محورية. يسهم مركزها كمدينة عالمية للغاية - تسجل واحدة من مقاطعاتها التسع عشرة الناس من أكثر من 100 دولة - في جعلها وجهة طبيعية للشباب الذين يبحثون عن فرص.
منظمة فيرويرك بلجيوم Fairwork Belgium، وهي منظمة تساعد على حماية المهاجرين الذين لا يملكون أوراقا رسمية من أصحاب الأعمال الاستغلاليين، يتصل بها المئات من العمال غير المسجلين كل عام، وكثير منهم من البرازيليين والمغاربة. 
يقول جان نوكايرت، منسق في منظمة فيرويرك Fairwork، إنه تعامل حتى مع حالات لعمال البناء الذين ساعدوا على بناء مقر الاتحاد الأوروبي.
ويقول: "شارك العمال الذين لا يحملون وثائق رسمية في بناء مبنى المجلس الأوروبي الجديد ودور الرعاية النهارية في البرلمان الأوروبي، فضلا عن تنظيف قصر العدل (البلجيكي)".
تشددت السياسة البلجيكية تجاه المهاجرين غير الشرعيين والعاملين الذين لا يحملون وثائق رسمية في ظل الحكومة الحالية، التي تضم حزب التحالف الوطني الفلمنكي المتشدد إن في أيه NVA. 
أعطت الحكومة الأولوية لطرد "المهاجرين العابرين" - وهو المصطلح المستخدم للأشخاص الذين سافروا إلى أوروبا، وغالبا عبر شمال إفريقيا والبحر المتوسط، والذين يسعون للانتقال من بلجيكا إلى بلدان أخرى، ولا سيما المملكة المتحدة. يعيش عدة مئات من الأشخاص في "محطة الشمال" في بروكسل وما حولها.
يقول ثيو فرانكين، وزير الهجرة البلجيكي: "لدينا الكثير من طلبات اللجوء التي رفضت وطالبي اللجوء الذين يحاولون الذهاب إلى المملكة المتحدة. وهذا ما نراه في الشوارع والطرق السريعة".
ارتفعت عمليات العودة القسرية للمهاجرين غير النظاميين في بلجيكا من 8758 في عام 2014 إلى 11070 في عام 2017. وكانت مواقع البناء والمحال الليلية - المتاجر ذات ساعات العمل الطويلة - من بين المواقع التي استهدفتها زيارات مفتشي العمل.
اقترح حزب إن في إيه NVA في البرلمان أنه يجب ألا يكون هناك تكرار لنوع العفو العام الذي صدر عن بلجيكا في الفترة بين عامي 1999 و2002. القانون البلجيكي يضمن للمهاجرين غير النظاميين الرعاية الطبية العاجلة، في حين أن بعض حقوق العمل الأساسية مكفولة في القانون الأوروبي. 


أطفال المهاجرين الذين لا يملكون وثائق رسمية مؤهلون أيضا لحضور المدارس الحكومية. الإدارات الإقليمية تمول الجمعيات التي تساعد العمال المهاجرين الذين لا يملكون وثائق رسمية على تعلم المهارات وإيجاد المسكن.
تشتمل أنشطة باجامبولا على العمل مع الحكومة المحلية لإخلاء مساكن غير مستخدمة لاستخدامها من قبل المهاجرين الذين لا يملكون وثائق رسمية، وهي مشاريع تهدف إلى زيادة استقلال النساء المهاجرات. 
ويقول: "نريد أن نظهر أننا أناس تراهم كل يوم، ويساعدون على بناء البلاد، وأن لهم أطفالا في المدرسة مع أطفالك".
وهو يصف حياة غير النظاميين في بلجيكا بأنها حياة من اللبس المتواصل: هم غير قادرين على فتح حسابات مصرفية أو تقديم وثائق رسمية، ويمكن أن يجدوا أنفسهم مضطرين إلى الانتقال كل أسبوعين من إقامة مؤقتة إلى أخرى.
يقول باجامبولا تعليقا على ما يرى أنه عيب في إدارة بلجيكا للهجرة غير النظامية: "يتحدث الناس عن أزمة مهاجرين، لكنها في الواقع أزمة استقبال. مهاجرو اليوم هم الأشخاص الذين بلا أوراق غدا".


هذا واقع طويل الأمد يتطلب حذقا ومهارة ويواجه الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه. هناك عدد لا يستهان به من سكان الظل موجود أصلا في الاتحاد، وتشير البيانات المتوافرة إلى أنه في ازدياد.
تغير وضع لينيس في برشلونه منذ أن وصلت قبل 10 سنوات. فلديها تصريح بالعمل وهي تدفع الضرائب، وتحصل على رعاية صحية مجانية ودرست في دورة للغة الكتالونية للمبتدئين مجانا.
وهي تجادل بأنه إذا اعتبرت الحكومات المهاجرين غير النظاميين على أنهم ببساطة مشكلة سياسية، فإنها تفهم الموضوع بشكل خاطئ. وتقول إن المعاملة القاسية، أو مجرد التخلي عنهم، ليست ظالمة فحسب، بل أيضا ذات آثار سلبية بالنسبة لبلدان الاتحاد الأوروبي، والمجتمعات التي تستضيف هذه المجموعات السكانية غير المستقرة.
وتقول، في الوقت الذي تمتلئ فيه غرفة الانتظار في الأسفل بعشرات من الذين هم مثلها يبحثون أيضا عن مكانة: "ليس هذا من العدل بالنسبة للذين يريدون أن يحققوا شيئا إيجابيا للمجتمع".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد