: آخر تحديث

المغرب بين التغرير والبغرير

56
55
51
مواضيع ذات صلة

لحسن أمقران

 

"مدرسة المواطنة"، هكذا كان شعار الدخول المدرسي الحالي رسميا، وشتان بين الشعار والواقع، لن نفصّل في مفهوم المواطنة ولن نقف على ما تقتضيه، لا نريد أن نخوض في جهاز مفاهيمي يحيد بنا عن صلب الموضوع ويثنينا عن وضع الأصبع على مكمن داء منظومة عبرها يصنع غد الأوطان. سنحاول، كما فعل غيرنا سلفا، أن نشد الانتباه إلى أن مدرستنا تحتضر، وتحتاج إلى إنعاش بشكل آني بعيدا عن كل محاولات التمويه الرسمية والشعبية، الواعية والعفوية.

شعار الدخول المدرسي في الواقع وبدون منازع كان "البغريرة"، كم نحن تسطيحيون اختزاليون!!! لم نبك مؤشرات إفلاس منظومتنا، لم ننتفض أمام تذيلنا تصنيف الدول حسب جودة التعليم، لم نثر على نسبة الأمية ولا أفواج الشباب المعطّل الذي يرتمي في أمواج المتوسط لتلتهمه الأسماك، لكننا شجبنا ونددنا وهوّلنا من ورود كلمة " عامية" في مقرّر دراسي!!! ما الذي يقع لك يا وطني؟؟

بعيدا عن كل الاصطفافات الأيديولوجية والتجاذبات السياسية، نجزم بأن منظومتنا الموبوءة تستحق أكثر من نقاش "البغريرة"، وربما سنزعم أن هذا النقاش، الذي يعتبر تافها بقدر ما هو دسم، اختلق (بضم التاء) لغايات مبيّتة لا يعلمها إلا مهندسو هذا " القضية" التي أرخت بظلالها على موقع المواطنة داخل المنظومة التربوية.

لقد كان لزاما على الدولة أن تكون جادة وجريئة في تعاطيها مع المدرسة بالنظر إلى حساسيتها وراهنية موضوعها، كان لزاما على الدولة أن تنتصر لتعليم موحد، وطني وجيد لكل أبناء الوطن قبل تأثيث مؤسسات البعثات وتشجيع التعليم الخصوصي وإعدام المدرسة العمومية، وكان لزاما على الدولة أن تراعي الكفاءة والتخصصات في اختيار أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين قبل الانتماءات والولاءات، وكان يفترض أن يدلي البيداغوجيون واللسانيون برأيهم قبل الساسة والعامة.

يجب أن يعي المغاربة أن لا مجال للقطبية في مسألة التعليم، أن كل فشل دراسي إنما هو خسارة يمنى بها الوطن قبل أن تكون خسارة للفرد، علموا أبناءنا وأبناءكم باللغة الأمازيغية، علموهم باللسان الدارج، علموهم باللغة العربية، علموهم باللغة الفرنسية، علموهم باللغة الأنجليزية أو غيرها، لا يهمّ، كل ما يهمّ أن تعلّموهم جميعا بشكل جيد، أن يتلقوا نفس الدروس بنفس اللغة أو اللغات وبنفس الجودة والحرص، أن تتكافأ فرصهم في التحصيل والتكوين والتشغيل، أن يجلس ابن الوزير إلى جانب ابن المياوم، وابن السفح مع ابن الجبل جنبا إلى جنب.

إن مشكلتنا أننا ننساق مع التفاهة، ننتصر للأنا بشكل مرضي يغيّب العقل والمنطق، يجب أن نعي أن مناصبا ومسؤوليات ومراكز يستأثر بها من يخلقون مثل هذه النقاشات "البغريرية" ويعملون على توريثها لأبنائهم، بينما يفترض شعار "مدرسة المواطنة" الذي أسلفنا الإشارة إليه أن توحّدنا المدرسة كما توحّدنا المواطنة. هنا جوهر النقاش وهنا مربط الفرس!!!

فليتأكد المغاربة أنهم في الفريق الآخر يستهزؤون بنا حينما نتجادل حول الفتات، نعتقد بكل سذاجة أن تعليمنا معادلة بعدة مجاهيل بينما الحقيقة المرّة أن الإرادة الحقيقية في إرساء تعليم جيد هي الغائبة، والحديث عن "إصلاح" ينتهي بالفشل ليعوض ب"إصلاح إصلاح" لا يختلف مع سابقه إلا في الشكل حلقة غير متناهية تحفظ لذوي الحظوة حظوتهم، وتكرس الفوارق بين النخبة الماسكة بكل الخيوط والشعب الذي التفت حوله كل الخيوط.

ختاما، إننا قاصرون ضحايا التغرير بالبغرير، وأملنا أن يستفيق عامة المغاربة ويدركوا أن مستقبل ومصير أبنائهم يقتضي وسم المؤسسات التعليمية بالمواطنة والوطنية الحقة، وفي مقدمتها مأسسة تكافؤ الفرص والمساواة من خلال تعميم تعليم عمومي لكل أبناء الوطن بغض النظر عن كل الانتماءات أيا كان نوعها، حينذاك فقط، سيفكر آل الحظوة -ممن يخططون لمستقبل المغرب- في المدرسة ويسمحون بتجويد التعليم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد