: آخر تحديث

«عنان» وإصلاح الأمم المتحدة  

63
80
62
مواضيع ذات صلة

 عبدالحق عزوزي

قبل3 أيام، توفى الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد كوفي عنان الذي ترأس الهيئة الدولية من عام 1997 إلى 2006 وهي الفترة التي كانت حافلة بعدة قضايا دولية شائكة وحروب وتدهور في النظام العالمي، وكوفي عنان هو حاصل على جائزة نوبل للسلام، وشغل لاحقاً منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ليقود الجهود الدولية لإيجاد حل سلمي للصراع. وكل من يعرف «عنان» يخرج بانطباع أنه أفضل مثال على الإنسانية ونموذج للكياسة والعطف الإنساني، كما أنه كان زعيماً رائعاً ودبلوماسياً فريداً، طرح عدة أجندات داخل الأمم المتحدة و«رفع علم السلام» في مختلف أنحاء العالم. و?نعته ?«منظمة ?الشيوخ» (?مجموعة ?من ?الشخصيات ?العامة ?العالمية) ?التي ?كان ?عضواً ?فيها ?وقالت ?إنه ?اضطلع ?بدور ?حيوي ?في ?قيادة ?عمل ?المنظمة، ?وكان ?صوت ?السلطة ?والحكمة ?في ?السر ?والعلن، ?كما ?أنه ?كان ?مدافعاً ?ثابتاً ?عن ?حقوق ?الإنسان ?والتنمية ?وسيادة ?القانون ?وملتزماً ?مدى ?الحياة ?بقضية ?السلام ?وعُرف ?عنه ?معارضته ?القوية ?للعدوان ?العسكري ?وخاصة ?غزو ?العراق ?بقيادة ?الولايات ?المتحدة ?عام ?2003، ?ونعاه ?من ?جهته ?الرئيس ?الغاني ?السابق ?جون ?ماهاما ?الذي ?قال ?عنه «?عاش ?وعمل ?من ?أجل ?السلام ?العالمي ?والأمن ?والتنمية ?المستدامة ?في ?أوقات ?صعبة ?للغاية. ?إنه ?فخر ?لغانا ?ولأفريقيا?«?.
كل المتتبعين يشهدون بأن المحاولات الجادة لإصلاح الأمم المتحدة كانت في عهد الأمينين السابقين بطرس غالي وكوفي عنان، ولكنها باءت بالفشل الذريع، لأن الإشكالية التي تطرح تكمن في ضرورة «التمثيلية المتوازنة» داخل الأمم المتحدة. وهذه الإشكالية كلما طرحت إلا وخرجت إلى الوجود العديد من التساؤلات والإرهاصات التي توقف في المهد كل المحاولات الإصلاحية: فما معنى التمثيلية المتوازنة؟ وكيف يعقل أن تبقى الدول الخمسة التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية الممثلة الشرعية للأمم؟ وماذا عن تغير مفهوم القوة؟ وعن القدرات العسكرية؟ وهل يبقى مبدأ «العضو الدائم» مقبولاً في عصرنا هذا حيث إن الديمقراطية العالمية تفرض عكس هذا التوجه تماماً إذا أردنا أن نطبقه في العلاقات بين الأمم؟ 


ثم إن أي محاولة إصلاحية جادة لميثاق الأمم المتحدة تصطدم بالمادة 108 من هذا الميثاق التي تقول: «التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء الأمم المتحدة إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدق عليها ثلثا أعضاء الأمم المتحدة، ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وفقاً للأوضاع الدستورية في كل دولة. بمعنى أن أي إصلاح مع وجود هذه المادة صعب بل غير ممكن مادام أن ذلك سيبقى خاضعاً لحق النقض للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. فلا أخال دولة من الدول الخمس الدائمة العضوية مستعدة لترك مقعدها لدولة أخرى مهما كان الثمن، ثم إن الدول البارزة التي تطالب منذ وقت بعيد بعضوية دائمة داخل مجلس الأمن (ألمانيا، اليابان، الهند، البرازيل، ودول أخرى) غالباً ما تتبعها ترشيحات مشروعة من دول أخرى: فترشح الهند، يثير باسم التساؤل التالي (لماذا لا أكون أنا مكانها؟) ترشح باكستان، كما أن ترشح دولة ألمانيا يثير لعاب إيطاليا، وترشح اليابان يثير غضب الصين. 


فالمزايدات ونوعية النظام الدولي تجعل كل المقترحات صعبة التحقيق، زد على ذلك ما يحكيه الدبلوماسيون المتمرسون داخل أروقة الأمم المتحدة من تواجد بيروقراطية أممية يتدخل فيها فاعلون كثر من موظفين دوليين ودبلوماسيين وسياسيين ورؤساء جماعات الضغط ومنظمات غير حكومية ومستثمرون عالميون ووسطاء من كل جانب. فاستعمال المال وتحويل السياسات ليس بالأمر الغريب، ثم إن أميركا تعتبر الأمم المتحدة ابنها الشرعي، ولكنها في كثير من الأحيان تعتبر المنظمة ابناً عاقاً. وكلنا نتذكر أزمة العراق لسنوات 2002 و2003 والتي أفضت في النهاية إلى نوع من الحذر تبديه واشنطن تجاه الأمم المتحدة.
كوفي عنان أقر مراراً، رغم دبلوماسيته المتناهية، أن إصلاح الأمم المتحدة أمر صعب، ولعله كان يشير إلى أن إصلاح الأمم المتحدة يبقى رهيناً برغبة الدول الثلاث الكبرى: الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، فهذه الدول مجتمعة ستظل الركائز الأساسية لأي رغبة في الإصلاح، كما أنه يبقى رهيناً بالرغبة المشتركة لدول الجنوب واجتماعها على البلدان التي يمكن أن تمثلها بصفة دائمة داخل مجلس الأمن.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد