: آخر تحديث

الإعلام هو عدو الشعب  

68
82
57
مواضيع ذات صلة

 ياسر الغسلان    

وصف الرئيس ترمب مؤخرا الإعلام اليساري المعادي له بأنه عدو للشعب، ومنذ ذلك الحين لم يهدأ الإعلام الليبرالي الذي يشن حملة متواصلة ضد الرئيس والهجوم عليه، في محاولة مستمرة لإظهاره باعتباره عدوا للحريات التي يكفلها الدستور الأميركي، وقد تجلى ذلك بوضوح في المواجهة التي دارت بين مراسل قناة سي إن إن جيم أكوستا والمتحدثة باسم البيت الأبيض سارة سينداريز، في أحد المؤتمرات الصحفية في البيت الأبيض، عندما طلب مراسل القناة من المتحدثة الخروج علنا والتنديد بموقف الرئيس وتصريحاته المعادية للإعلام، خصوصا وأن إيفانكا ابنة الرئيس خرجت صبيحة ذلك اليوم بموقف نظر له على أنه مناقض لموقف أبيها من الإعلام.


توصيف الإعلام بالمضلل أو الزائف أو الكاذب الذي ينتهجه ترمب كان له مسرح آخر خلال الأسبوع الماضي، عندما قامت الدنيا ولم تقعد بعد قيام متحف الإعلام في واشنطن، وهي مؤسسة أهلية توثق مسيرة الإعلام وتاريخه وقضاياه وشخصياته، بطرح قميص للبيع في متجره الداخلي المخصص للهدايا، كتب عليه «You Are Very Fake News»، وهي العبارة التي يستخدمها ترمب بشكل دائم لوصف الإعلام المعادي له، فقط نظم ما يشبه حملة من قبل العديد من الإعلاميين والصحفيين الذي رأوا أن بيع مثل هذا القميص بهذا الشعار الذي ينتقص من دور الإعلام من خلال وصفه بأنه «زائف جدا» لهو تعبير غير مقبول وخروج عن دور المتحف في دعم الإعلام الحر، فدور الإعلام كما يراه هؤلاء ليس في ترديد ما يقوله السياسي خصوصا عندما يكون كلامه هجوما على السلطة الرابعة، أو يعمل من أجل الانتقاص من دورها الحيوي في المجتمع أو الحد من الحريات.
المتحف بعد يوم ملتهب بالنقد والهجوم قام بتقديم اعتذار وتوضيح، وقام بعد ذلك بإزالة القميص من المتجر.


في ذات السياق وعلى الرغم من أن العداء البين بين قناة فوكس المؤيدة لترمب وسي إن إن المناهضة له، إلا أن التقارب الحذر في بعض الحالات يبدو لافتا، خصوصا عندما يكون الأمر صادرا من المذيع شون هانيتي الذي يعد أقرب إعلامي أميركي للرئيس وأكثر المؤيدين والمدافعين عنه، فعلى خلفية هجوم جماهيري غاضب على قناة سي إن إن ومذيعه المثير للجدل جيم أكوستا، أثناء تغطية القناة كلمة للرئيس في تجمع انتخابي، واصفين القناة بصوت واحد مرددين مقولة ترمب بأنها قناة تقدم الأخبار الزائفة، حيث قال هانيتي في أعقاب ذلك إنه سيدافع عن جيم أكوستا و«أنه سيقفز للدفاع عنه إذا تجرأ أي شخص وحاول أذيته»، الأمر الذي فسره الكثيرون بأنه محاولة من هانيتي للدفاع عن حرية التعبير وحماية الصحفيين من الأذية، خصوصا أن ترمب يوصف بأنه ومن خلاله خطابه المعادي للإعلام يخلق أجواء عدائية لدى قاعدته الانتخابية تجاه الإعلام، مما قد يهدد الصحفيين المناهضين له بالأذية الجسدية، وهو اتهام ردت عليه المتحدثة باسم البيت الأبيض من جهتها بأنه غير صحيح، بل ربما العكس هو الأصح، فعداء الإعلام للرئيس وإدارته جعلها هي شخصيا المتحدثة الإعلامية الأولى التي لا تستطيع أن تتحرك بحياته الشخصية دون أن تكون مرافقة بحماية الشرطة السرية، فالتنمر الذي يطالها من الجمهور المتعاطف مع خطاب الإعلام اليساري جعلها عرضة للخطر المستمر على حد وصفها.
من المفارقات اللافتة في الإعلام الأميركي أنه بالإمكان أن تجد وسيلة إعلامية تعلن للترويج عن نفسها أو أحد برامجها على صفحات وسيلة إعلامية تعد عدوتها اللدودة، وهو تماما ما شوهد الأسبوع الفائت عندما نشرت قناة فوكس إعلانا ترويجيا لبرنامج اشون هانيتي التلفزيوني على صفحات صحيفة النيويورك تايمز، والتي تعد كل مواقفها متناقضة مع كل ما يؤمن به هانيتي وإعلامه المحافظ، فهانيتي وبرنامجه مخصصان بشكل شبه كامل للدفاع عن ترمب وسياساته ومواقفه وقرارته الداخلية والخارجية، بينما تعمل الصحيفة على النقد والانتقاص والهجوم على الرئيس وكل من يدافع عنه أو يتفق معه أو يتعاون معه.
في المؤسسات الإعلامية الكبيرة وخصوصا في أميركا يعد القرار التسويقي منفصلا تماما عن القرار التحريري، وهذا أمر جيد من الناحية التجارية إلا أنه يبقى أمرا مثيرا للتفكير، كيف يمكن أن يكون هناك انفصام في المواقف بهذه الحدة، فجانب يرى النيويورك تايمز وباقي الإعلام الليبرالي على أنه إعلام زائف بينما الجانب الآخر في ذات المؤسسة لا يمانع في نشر إعلاناته فيها.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد