: آخر تحديث

موضات الرجال وموضات النساء

76
77
80
مواضيع ذات صلة

 خالد القشطيني 

من المعتاد للنساء أن يستعملن الملابس التي تظهر جمالهن وقيافتهن وسحرهن. يسعى كل مصممي الأزياء النسائية ومديري شركات الثياب لإبراز ذلك. هذا ما تقوم عليه كل معارض ومهرجانات الموضة النسائية. بيد أن للرجال أيضاً مواقفهم نحو ملابسهم. تراهم يعبّرون بها عن مركزهم المهني والاجتماعي والفكري، وفي هذه الأيام عن انتمائهم الحزبي.

توجد إشارات في معظم اللغات والمجتمعات للإشارة لدور الرجل. فتجد الأوروبيين يقولون عن فلان إنه لابس قبعة المحافظين، أو كاسكيت العمال. يعجب الكثير من زملائي بأنني أقتدي بتوفيق الحكيم في لبس البيريه الفرنسية. والبيريه هي قبعة الفنانين، والبيريه السوداء التي ألبسها عثرت عليها في متحف اللوفر.
ويصف الإنجليز المتقلب في الرأي بأنه متقلب السترة، ويقولون إنه غيّر ثوبه، بمعنى غيّر رأيه وموقفه. ونحن نقول إنه لبس طاقية الإخفاء أو ثوب العافية. ونقول إن القضية أصبحت قميص عثمان، ونقول في العراق إن الرجل قد نكس عقاله وشق ثوبه تعبيراً عن ابتلائه بمصيبة.

كانت الأزياء موحدة في المجتمع الواحد، لكن تبلبلت أفكارنا وتعددت أهواؤنا. وقد اقتضى على مصممي الأزياء أن يواكبوا هذا التعدد، ويصمموا ما يتماشى مع المبادئ والانتماءات. كان المفروض في المعارض أن تقسم الأزياء الرجالية حسب الآراء بحيث ترى جناح الأزياء القومية وجناح الأزياء الاشتراكية وأزياء المحافظين والجمهوريين والأوباميين... وهلمّ جراً. وفي جناح الأزياء الاشتراكية مثلاً تجد سراويل الجينز المصنوعة من الكتان الخام للثوريين في مرحلة النضال، والمصنوعة من الكشمير الخالص للاشتراكيين بعد وصولهم للحكم.
وبالنظر للتقلب السريع السائد في الآراء والانتخابات، فيقتضي تصميم أنواع كثيرة من الجاكيتات والمعاطف من نوع الكونفيرتبل، أي القابلة للقلب. فبمجرد أن يسمع المرء بتغير النظام أو سقوط الحزب في الانتخابات، يبادر وهو في مكتبه إلى قلب سترته بما يتفق مع النظام الجديد.

لكن السراويل تتركنا في مشكلة، فبقدر معلوماتي لم يتوصل المصممون بعد إلى سراويل كونفيرتبل. وهذا يلقي المواطن في محنة وهو في الطريق أو في المقهى ويسمع من الراديو: «نحن الضباط الأحرار؛ بالنظر لتمادي النظام البائد في لبس السراويل العريضة المبددة للثروة الوطنية، فقد قررنا الإطاحة بهذا النظام وإقامة حكومة تقوم على السراويل الضيقة المنسجمة مع الاقتصاد الوطني. وسنضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه لبس السراويل العريضة. عاش الشعب بسراويله الضيقة والمجد للثورة».

ما الذي يمكن أن يلجأ إليه المواطن وهو في بنطلونه العريض لينجو من حنق الشعب؟ وبالنظر لعدم وجود سراويل قابلة للقلب، فالنصيحة الوحيدة هي أن يلبس سروالين قبل خروجه من البيت فلا يسمع مثل هذا البيان حتى يبادر لخلع السروال الرجعي ويحافظ على السروال الثوري ويتقي غضب الشعب. وهذا شأن العالم في موضات الأزياء الرجالية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.