: آخر تحديث

الحرب السورية «المثلثة» ومعادلة «الدولي- الإقليمي»

98
94
93

  حسين معلوم 

بعد سنوات سبع على اندلاع العنف والصدام العسكري على الأرض، تحولت الأزمة السورية من مجرد نزاع بين النظام ومعارضيه، إلى حروب إقليمية ضمن إطار التنافس الدولي القائم حول هذا البلد بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية؛ ومن خلفهما الصين التي تدعم، وإن في شكل هادئ، المواقف الروسية في منافسة القطب الأميركي؛ خصوصاً أن تفاعلات مثل هذا التنافس، لم تعد تحت الطاولة، بل تبدّت في مواجهة مفتوحة لتطاول علاقات (جغرإستراتيجية)، بين أطراف ما نُطلق عليه «مثلث» القيادة الدولي.

وفي ما يبدو، فإن تداعيات المواجهة الجارية بين أضلاع هذا المثلث، تُمثل الإطار المتحكم في مجريات تلك الحروب، الإقليمية، التي تنغمس فيها أطراف المثلث الإقليمي، تركيا وإيران وإسرائيل، على الأرض السورية. وعلى رغم أن هذه الأطراف هي قوى إقليمية «كبرى»، ولدى كل منها مشروعها الخاص، الذي تتمدّد توجهاته عبر سورية لتتقاطع في أكثر من ساحة عربية؛ إلا أن أياً من هذه القوى لا يستطيع حسم الصراع الدائر بينها على الأرض السورية لمصلحته مُنفرداً.

ولعل هذا ما يوضح التغير الحاصل في مواقف هذه الأطراف تجاه بعضها بعضاً، وفي الوقت نفسه تجاه النظام ومعارضيه، عبر المراحل المتتالية للأزمة السورية طوال تلك السنوات السبع عموماً، وفي الآونة الأخيرة خصوصاً. فالعملية العسكرية التركية في عفرين، والتصعيد العسكري الإيراني في إدلب، والروسي الإيراني في دير الزور، فضلاً عن الغارات الإسرائيلية على أهداف كثيرة، كرد فعل على إسقاط طائرتها «إف 16»، ناهيك عما يحدث في الغوطة الشرقية، يوضح، بل يؤكد، أن ثمة محاولات تجري من جانب القوى الدولية والإقليمية، لتعديل الوضع القائم على الأرض، وامتلاك أوراق جديدة تُعزز من وضعية كل منها؛ ليس فقط في رسم ملامح مستقبل سورية، بل كذلك في رسم ملامح مستقبل هذه المنطقة من العالم، بملفاتها المعقدة والمتشابكة في أكثر من ساحة عربية.

يكفي أن نلاحظ مدى الاختلاف الحاصل بين روسيا، ومعها تركيا وإيران، وبين الولايات المتحدة؛ في الشأن السوري وجواره الإقليمي. فالعمليات العسكرية التي تقوم بها تلك القوى، و فق المصالح الخاصة لكل منها، إنما تُعبر عن الرفض القاطع للمواقف السياسية الأميركية. إذ، لم تكتف روسيا باللعب على وتر الوجود الأميركي وعدم شرعيته، في مقابل شرعية وجود قواتها تحت دعوى طلب الحكومة السورية وموافقتها؛ بل، تحاول جاهدة تقويض النفوذ الأميركي، والتنسيق مع تركيا، وصرف النظر عن عمليتها العسكرية في عفرين، كخطوة في تشجيع الخلاف الناشب بين تركيا والولايات المتحدة التي تدعم الأكراد. وبالتالي، فإذا كانت المصلحة الروسية تقتضي دفع تركيا والأكراد إلى التفاوض مع النظام في سورية، كنتيجة متوقعة للتصعيد العسكري بينهما؛ فإن المصلحة التركية تدفع في اتجاه الضغط على واشنطن للتراجع عن محاولتها في إضعاف الدور التركي في حلف الأطلنطي، ناتو، عبر إنشاء «كيان كردي» يُحقق لها المميزات الإستراتيجية نفسها.

يكفي أن نلاحظ، أيضاً، كيف نجحت المساعي الديبلوماسية الروسية، والأميركية، في منع إسرائيل وإيران من التصعيد إلى درجة الدخول في حرب مفتوحة. فقد أظهر حادث إسقاط الطائرة الإسرائيلية الفارق بين روسيا كقوة عظمى، وبين إسرائيل وإيران كقوى إقليمية؛ إذ، تجاوبت إسرائيل مع المطلب الروسي، لكونها تُدرك أهمية استمرار التنسيق مع روسيا كضمان لها في حرية «العمل» في المجال الجوي السوري. أما إيران فهي في حاجة ضرورية للغطاء الروسي، بخاصة مع تفاقم مشكلاتها نتيجة التدخلات في أكثر من ساحة عربية؛ وفي الوقت نفسه، مع فشل رهانها بأن يؤدي الاتفاق النووي إلى تخفيف حدة أزماتها الاقتصادية. هذا، فضلاً عن الحرص الإيراني على لعب دورها مع روسيا، وتركيا، كشريك في البحث عن حل للأزمة السورية. ولعل ذلك، وغيره، ما يوضح لماذا جاء التصريح الإيراني، على لسان نائب وزير الخارجية، عباس عراقجي، بأن «هدف إيران من دخولها سورية لم يكن فتح جبهة مع إسرائيل، بل مواجهة الإرهاب».

يكفي أن نلاحظ، كذلك، أن الولايات المتحدة الأميركية تستخدم تفاعلات الأزمة في سورية كأداة لاستنزاف إيران، بل وروسيا أيضاً؛ حيث جاءت خطواتها الميدانية بالإعلان عن وجود قواتها على الأرض السورية لفترة غير محددة، بل وربط هذا الوجود بالتوصل إلى حل سياسي، ما يعني أن الاستهداف الأميركي يتمحور حول إعادة رسم ملامح النظام الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط عموماً، والمنطقة العربية بخاصة. إذ، هنا، تبدو الخطوط الأميركية الحمراء واضحة، منذ لحظة إسقاط طائرة «سوخوي 25» السورية، واستمرارها في دعم «قوات سورية الديموقراطية» شمال الفرات؛ ناهيك بدعمها للسياسات الإسرائيلية، وغاراتها، التي تستهدف مواجهة الانتشار الإيراني على الساحة السورية.

في هذا السياق، تتبدى ثلاثيات الحرب في سورية؛ فإضافة إلى النزاع الأساسي بين النظام وبقايا المعارضين له، يدور النزاع بين تركيا والأكراد، كما تدور المواجهة بين إيران وإسرائيل؛ وهي النزاعات التي تجتمع من خلالها تعقيدات المنطقة العربية وجوارها الشرق أوسطي. بيد أن المثلث الإقليمي، تركيا وإيران وإسرائيل، لا يبدو أن أضلاعه تتحرك بناء على المصالح الخاصة لكل منها فقط، بل عبر الملاءمة بين هذه المصالح وبين الإطار العام للخطوط الإستراتيجية التي يرسمها المثلث الدولي، الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ومن وراءها الصين.

وفي ما يبدو، هكذا، فإن الإطار الدولي وتقاطعاته الإستراتيجية، وبما يرسمه من خطوط حاكمة لتحركات القوى الإقليمية، قد حوّل سورية ليس، فقط، إلى نموذج للنظام الإقليمي الذي سيولد على أنقاض ما تُخلفه الحروب «الأهلية» في عدد من الساحات العربية؛ ولكن، إضافة إلى ذلك، إلى محطة رئيسة ترتسم من خلالها أبعاد النظام الدولي المقبل. وفي تاريخنا الحديث عبرة لمن يعتبر. إذ، مثلما كانت مصر محطة رئيسة في رسم ملامح النظام الدولي، والإقليمي، بعد العدوان الثلاثي عليها عام 1956، وشكل القطبية فيه؛ فستكون سورية محطة رئيسة في رسم ملامح النظام الدولي، والإقليمي، المقبل وشكل القطبية فيه؛ بخاصة عندما نضع في الاعتبار الأهمية الإستراتيجية لمنطقة شرق المتوسط بعد الاكتشافات الجديدة للغاز فيها.

وفي نظرنا، فإن إمكانية حجز مقاعد عربية في هذه الملامح التي ترتسم أمام أعيننا، تبدو متاحة في حال تفاعل المثلث العربي، مصر والسعودية والإمارات، مع ما يحدث على الساحة السورية؛ خصوصاً أن المسألة تجاوزت كثيراً الموقف من بقاء النظام السوري أو رحيله.

 

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد