: آخر تحديث
نافيًا شائعات روّجها البعض حول سبب زياراته الخارجية

كاتب جزائري: جولة ولي العهد السعودي لبلورة موقف عربي موحد

63
64
50

قال الكاتب والباحث الإعلامي الجزائري أنور مالك لـ "إيلاف" إن زيارات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لعدد من الدول العربية في جولته الأخيرة تأتي للبحث في مسارات عدة من أجل بلورة موقف عربي موحد في كثير من الملفات والقضايا، وعلى رأسها الملف الإيراني وأزمة سوريا والعراق واليمن ولبنان، وكذلك للمباحثات حول أسعار النفط.

أحمد سيد من الرياض: يؤكد أنور مالك أن مثل هذه الملفات الشائكة في المنطقة، للسعودية دور محوري في محاولة إيجاد حلول لها لإعادة الاستقرار وتفادي الصراعات الدامية التي تؤثر على أمن الأوطان، ويتمدد تأثيرها إلى كل المنطقة.
 
يضيف "أرى أن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تندرج في إطار زيارات رسمية أولًا كمسؤول من الطراز الرفيع إلى دول عدة، من بينها الدول الحليفة للمملكة العربية السعودية ودول أخرى تعتبر - إن صح التعبير - حليفة من الدرجة الثانية للسعودية، وثانيًا هناك أجندة في هذه الزيارات تتعلق بالسياسة الخارجية في المملكة العربية السعودية والسياسة الخارجية في هذه الدول، والتي تخص الكثير من الملفات، وأيضًا هناك جوانب اقتصادية كثيرة أظهرتها الاتفاقيات التي تم توقيعها والاتفاقيات التي جرت مناقشتها، والأمور من مثل هذا النوع، خاصة بالنسبة إلى الجزائر.
 
لمواجهة أزمات المنطقة
يرد أنور مالك على الشائعات التي تقول إن جولة الأمير محمد بن سلمان هي "لتحسين السمعة بعد الأزمة الأخيرة التي مرت بها السعودية" قائلًا: "أرى عكس ذلك تمامًا، لأن من يريد أن يحسّن سمعته، لا يفعلها من خلال زيارات ميدانية واتفاقيات اقتصادية... هناك كثير من الأمور الأخرى التي يمكن أن تستعمل في مثل هذه الحالات، عندما تكون البلد أو يكون المسؤول أو النظام في أزمة ما، فهو يلجأ أولًا، وقبل كل شيء، إلى الحلفاء، ويلجأ إلى وسائل عدة، مثلما حدث مع كثير من الدول، لكن هناك أمرًا آخر، وهو أن المملكة العربية السعودية ليست في وضع سيئ حتى تلجأ إلى تحسين سمعتها، كما تحاول بعض وسائل الإعلام "المعادية" أن تبرزها". 

يضيف: "فالسعودية كانت في هذه المرحلة بالفعل تمر بظروف صعبة وحملات شرسة عليها، حيث هناك مواطن سعودي قُتل داخل القنصلية، وبلا أدنى شك هذه أزمة كبيرة جدًا جدًا. والذين اقترفوا هذا الجُرم لم يقدّروا العواقب، ولم يقدّروا أن تجاوزهم لمهمتهم ستكون له مثل هذه التأثيرات والامتدادات، التي إن دلّت على كل شيء فإنما تدل على حجم بشاعة ما حدث، وهذه الهجمات الإعلامية التي تتعرّض لها السعودية، فهي لأنها دولة محورية، ولها تأثيرها، وأي خطأ يحدث من هذا النوع، سيكون هناك هجوم شرس عليها، لأن خصومها يتربصون بها".

وأوضح أنه: "في تقديري أن السعودية سمعتها حسنة وبيضاء، ولا تحتاج تحسينها، بقدر ما أنها في هذه المرحلة تريد أن تقوّي الجبهة الداخلية لمواجهة هذه التحديات، فما حدث مع قضية جمال خاشقجي كشفت حجم الهجوم أو التربص بالسعودية كدولة والتربص بسياستها في المنطقة، التي تسعى من خلالها إلى الحفاظ على أمن الأوطان واستقرارها".
 
توافق في العلاقات بعد فتور
وعن رأيه في إنشاء مجلس أعلى للتنسيق السعودي الجزائري، يقول مالك "بلا أدنى شك أن هذا أمر متوقع، وإنشاء مجلس أعلى للتنسيق السعودي الجزائري أعتقد أنه خطوة كبيرة في تعميق العلاقات أكثر بين الدولتين، خاصة في مثل هذه المرحلة، وهناك تناغم جزائري رسمي مع السياسة السعودية، وهناك أيضًا نقاط خلاف في بعض الملفات، كما هو معلوم أن الجزائر رفضت إدراج حزب الله في قائمة الإرهاب وأيضًا لم تشارك في التحالف العربي، وكذلك بالنسبة إلى علاقاتها مع إيران، وبعض الملفات فيها خلاف إلى حد ما". 

تابع شارحًا: "لكن هناك توافقًا في كثير من الأمور، خاصة في الجانب الأمني ومكافحة الإرهاب والغلو والتطرف وكذلك في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة والتعدين والثقافة، وكل هذه الملفات فيها توافق، وتحتاج ترقية أكثر مما كانت عليه من قبل، وتعميق مثل هذه الأمور المشتركة التي تخدم العلاقات بين البلدين، وتخدم الرؤية العادلة في مواجهة مثل هذه التحديات، التي تتخندق فيها المملكة العربية السعودية، ونتمنى أيضًا أن تتخندق الجزائر فيها، خاصة في ما يخص المشروع الإيراني، الذي يعتبر تحديًا كبيرًا لكل الدول، ومنها الجزائر، التي أصبحت مستهدفة كثيرًا، عبر نشر التشيّع وغيره من الأمور التي تقام في سفارة إيران وعبر شبكاتها التي أنشأتها في السنوات الأخيرة.
 
الجزائريون بمختلف طبقاتهم يرحّبون بالأمير
وعند سؤاله عن أهمية زيارة الأمير محمد بن سلمان بالنسبة إلى الجزائريين، قسّم أنور مالك الجزائريين إلى ثلاث طبقات: الطبقة الرسمية والطبقة الشعبية وطبقة المثقفين والنخب.

يصف الطبقة الرسمية بأنهم مسؤولو الدولة، الذين رحّبوا بهذه الزيارة، وأعطوها مكانتها المرموقة، وبما يليق بمقام الضيف وبصفته ولي العهد ومسؤولًا ساميًا في الدولة السعودية، والتصريحات والبيانات التي صدرت.. كلها تتحدث عن عمق العلاقة الأخوية بين الدولتين، ومعلوم أنه في السنوات الأخيرة هناك عودة كبيرة في العلاقات بين البلدين وتعميقها أكثر مما كانت عليه في فترات سابقة التي عرفت بعض الفتور بسبب الخلافات في بعض الملفات.

أما الطبقة الشعبية فتمزقت، يضيف، و"هناك من تأثر بهذا الإعلام المؤدلج الذي يعادي السعودية، والذي لديه حضور جماهيري، ولديه شبكات انترنت، والكثير من الأمور الأخرى، مما أثّر نوعًا ما في بعض الأطراف الشعبية، وجعلها ضحية أفكار خاطئة ومعطيات ليست صحيحة، وكذلك تغلغل بعض الجماعات التي ندرك قدرتها على التغلغل في المجتمع المدني، مثل "جماعة الإخوان" وغيرها من هذه الجماعات المعادية للمملكة العربية السعودية ومنهجها، وفيها أيضًا متشيّعون وسياسيون ودينيون موالون لإيران. أما عموم الشعب الجزائري فهو يحب المملكة، ويحب شعبها وقيادتها، ويرحب بزيارة الأمير محمد بن سلمان.  

وعن تلك النشاطات على شبكات الانترنت فيرى أنها "مؤدلجة وموجّهة في غالبيتها، وتقف خلفها جهات لديها حسابات وأجندات وارتباطات خارجية أكثر مما هي تتعلق بالشأن الجزائري".

وكونه أحد النخب الجزائريين يقول مالك: "بالنسبة إلى النخب، فقد توزّعت بدورها بين نخب معادية في أصلها للمملكة العربية السعودية - إن صحت تسميتهم بالنخب - من مثقفين وسياسيين، وهذه التي كانت تعادي السعودية، ولديها ارتباطات مع إيران، وأخرى التحقت بالمحور القطري التركي، ومثل هذه الأمور الواضحة بأنها ستستغل هذه الفرصة لتبرز الكراهية تجاه السعودية من خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان، وتوجد هناك رؤية أخرى لدى بعض المثقفين الجزائريين، تتمثل في أن المملكة العربية السعودية هي الحضن الإسلامي لكل المسلمين، وهي دولة محورية، ورأس الحربة في كثير من الملفات، ودولة لها مكانتها وإمكانياتها الكبيرة.
 
لا معارض بإستثناء ذوي المصالح الخارجية
أكد مالك على أن الجزائر وشعبها في حاجة إلى السعودية، والسعودية كذلك في حاجة إلى الجزائر، وهذا طبيعي ومتكامل، ويرى على الصعيد الشخصي أن هذه الزيارة تصب في مصلحة الجزائر قبل كل شيء. 

وقال: "الوضع الاقتصادي الجزائري يعاني في هذه الفترة، وكما نعلم أن الاقتصاد الجزائري يعتمد فقط على النفط، وانحدار أسعار النفط سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد الجزائري، وأعتقد أن مثل هذه الزيارات مهمة للجزائريين، ولا يعارضها إلا من يفكر في مصالح خارجية، وليس في مصالح الشعب الجزائري والدولة الجزائرية".
 
أول من دعم الثورة الجزائرية
يضيف : "في الحقيقة إن المواقف كبيرة بين البلدين، وهناك عمق تاريخي لا يمكن تجاوزه، فالدور السعودي في الثورة الجزائرية لا ينكره إلا جاحد، ويعترف به ألدّ خصوم المملكة العربية السعودية، فالدولة السعودية هي التي أدخلت القضية الجزائرية إلى الأمم المتحدة في قضية تصويت الاستعمار، السعودية هي التي دعمت الثورة بالمال والسلاح والعتاد وبكل شيء، السعودية هي التي دعمت الثوار الجزائريين بالإعلام، وخصصت لهم مساعدات، وكان الملك سعود بن عبد العزيز لديه مواقف تاريخية لا نزال نحفظها ونتداولها كجزائريين جيلًا بعد جيل، لذلك أقول إن الأمر لم يقتصر على الثورة الجزائرية، بل حتى مع الاستقلال عام 1962 خرجت الدولة الجزائرية شبه منهارة تمامًا من مرحلة استعمار عمرها 132 عامًا، وقد دعمت السعودية الجزائر في بداية استقلالها لبناء دولة جزائرية حديثة، أي الدولة ما بعد الثورة والاستقلال".

وأكد على أن التاريخ الجزائري السعودي تاريخ عميق ومشترك، ولا يوجد فضل لأحد في هذا، حتى إن الشعب السعودي وقيادته لا يمتنّون على الجزائريين بهذا، بقدر ما يكون تذكيرًا بمثل هذه المحطات التي تعتبر تعميقًا ومواصلة للعمق التاريخي والأخوي بين البلدين فقط.
 
الإساءات لا تمثل الشعب الجزائري  
عند سؤالنا إياه عن الإساءات التي تمسّ السعودية وقيادتها من بعض أبناء الجزائر، بالرغم من المواقف والعلاقات الأخوية الكبيرة بين البلدين، أجاب: "في كل الشعوب يوجد المغرر بهم، وأنا كذلك قرأت كتابات لبعض السعوديين يسيئون إلى الجزائريين، ولجزائريين يسيئون إلى الشعب السعودي وقيادته، حقيقة إن هذه الإساءات موجودة، ولكن لا يعتد بها، ولا يمكن أن نعطيها أهمية، لأن هؤلاء معروفة توجهاتهم وحساباتهم، والمغرر بهم موجودون في كل الدول، لكن ما تهمنا هي الجهات الفاعلة وأصحاب الرؤى الناضجة، التي لديها حضور وتأثير في صناعة الرؤى المستقبلية في العلاقات بين الدولتين". 

يتابع موضحًا: "فالشعب الجزائري فيه الإخواني والصوفي والليبرالي، وفيه العلماني، وفيه ديانات أخرى، وكذلك شعوب المنطقة المغاربية ينطبق عليها الأمر نفسه. فلذلك هؤلاء الذين يتطاولون على السعودية وقيادتها وشعبها معروفة خلفياتهم". مضيفًا: "نحن كذلك نعاني منهم في داخل الجزائر، فنتعرّض للإساءات، بمجرد أن نختلف معهم في الرؤى، ونتعرّض لهجوم شبيه، وخاصة في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، التي أعطت حضورا لكثير من التافهين والغوغاء في كل الدول بلا استثناء، لكن أعتقد أن القاعدة الأساسية تتمثل في صنّاع القرار وفي النخب الفاعلة وأصحاب الفكر النيّر والناضج، الذي يجب أن يندرج ضمن إطار أخوي يخدم العلاقة العميقة بين السعودية والجزائر، وما دون ذلك أعتقد أنه غوغاء، سرعان ما ينهار، ويذهب جُفاء، ولا يبقى إلا ما هو نافع للجزائريين والسعوديين".

وأكد مالك أن "الجزائري الحقيقي الذي يحترم ثورته ويحترم دولته وتاريخه وقيمه لا يمكن أبدًا أن يتجرأ على الإساءة إلى القيادة السعودية. أما أهواء "الإخوانيين" وغيرهم ممن يعرفون بمواقفهم من القيادات السعودية فهي تغذّي الكراهية، ليس تجاه المملكة فقط، بل تجاه كل من يختلف مع "الإخوان" والتنظيم العالمي للإخوان، وأيضًا التيارات الأخرى المعروفة، التي تسيء إلى قيم الجزائريين باللغة العربية والإسلام، فلا تنتظر منهم أن يحترموا السعودية المعروفة كدولة إسلامية لها مكانتها وقيمتها.

شراكة إعلامية مهمة للبلدين
علق على مبادرة وزير الإعلام السعودي حول إنجاز شراكات إعلامية بين البلدين بالقول: "أعتقد أنه مهم جدًا أن تكون هناك شراكات إعلامية بين الدول العربية والإسلامية، ويكون هناك تعاون، خاصة في التحديات المشتركة التي تمسّ وتستهدف كل الدول، مثل الملف الإيراني والقضايا كقضية فلسطين وغيرها".

تابع "كما يحب أن تكون هناك شراكة وتعاون وتبادل للخبرات، لأنه باعتقادي أن هذه الدعوة من وزير الإعلام السعودي مهمة كثيرًا، وأنا أشيد بها وأؤيدها، وأتمنى أن تجد القبول ورد فعل ممتازًا في الجانب الجزائري، وتكون هناك شراكات إعلامية فعالة وحقيقية تخدم مصالح الدول، وتخدم مصالح الشعوب والمنطقة والعالم الإسلامي، وتخدم السلم العالمي بصفة عامة".

يضيف: "أعتقد أنه مهم كثيرًا خاصة بالنسبة إلى الإعلام الجزائري، وكذلك للإعلام السعودي، لأنه شبه مغيّب في وجوده داخل الجزائر، وحتى في بعض الدول الأخرى، فوجود مثل هذه الشراكة الإعلامية تخدم الحضور السعودي بين الجزائريين، ولا يبقى المجال مفتوحًا إلا للقنوات التي تحمل أجندات خبيثة تجاه بلاد الحرمين، وهي معروفة للجميع".

اختتم حديثه بالقول إن "الجانب الجزائري سيرحب بلا شك بهذه المبادرات، وسترحب بعض وسائل الإعلام الرسمية بها، ولكن تبقى وسائل الإعلام الخاصة منقسمة بين من ستكون في هذا الإطار وبين التي لديها خلفيات بدورها على غرار ذلك الإعلام المعادي للمملكة وللمشروع المناهض للتمدد الإيراني وغيره، وأعتقد أنها ستكون بعيدة على هذه الدوائر".
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار