: آخر تحديث
بسبب أوضاع مزرية يعانونها وضعف التمويل المخصص لهم

أوروبا وجهة مهاجرين أفارقة حط بهم الرحال في تونس

67
71
67

حط بهم الرحال في تونس بعد محطات وبلدان كثيرة مروا بها خلال رحلة الفرار من أوطانهم بسبب فقدان الأمن وانعدام الفرص إلا أن مهاجرين أفارقة يشكون من ضعف التمويل المخصص لدعمهم ويحلمون بأوروبا كوجهة نهائية.

إيلاف: تصدح أنغام الموسيقى الأفريقية في أروقة مركز الإيواء في مدينة مدنين في جنوب تونس، لكن نزلاء المركز، على الرغم من هذا الحنين الواضح إلى بلادهم، لا يريدون العودة إليها، بل لا يزالون يحلمون بركوب البحر للوصول إلى أوروبا.

يشار إلى أن مركز إيواء المهاجرين التابع للهلال الأحمر التونسي والمتواجد وسط حيّ سكني في مدينة مدنين هو مركز الإيواء الوحيد للمهاجرين في تونس، التي ترفض رفضًا باتًا أن تكون مركزًا لاستضافة أو لإنزال مهاجرين. وقد سمحت على مضض قبل أسابيع برسو سفينة الشحن "ساروست 5"، وإنزال أربعين مهاجرًا غير قانوني منها "لأسباب إنسانية"، وبعدما أمضوا أيامًا طويلة في البحر.

مستقبل الأبناء أولًا
يجمع نزلاء المركز بدورهم على أنهم لا يريدون البقاء في تونس، بينما يروون رحلاتهم البحرية المحفوفة بالخطر، وكيف حط بهم الرحال في تونس. 

تجلس جورجي نداب (21 عامًا) القادمة من الكاميرون، في غرفة صغيرة داخل المركز، تضمد جرحًا سببه التهاب جلدي لابنها موسى ذي الأشهر الثمانية فوق سرير متواضع، وضع إلى جانب أسرة أخرى تستأثر بمعظم مساحة المكان بين جدران بدأت أجزاء من طلائها تتآكل.

تقول نداب، التي تركت دوالا منذ منتصف أكتوبر الفائت في اتجاه نيجيريا ثم النيجر وصولًا إلى ليبيا فتونس، "أمضيت ثمانية أشهر سجنًا في ليبيا.. أريد الذهاب إلى أوروبا لأضمن تعليمًا جيدًا لابني".

تصر المهاجرة التي وصلت إلى مركز الإيواء قبل وقت قصير على مغادرة تونس قائلة "شكرًا تونس، لكن الوضع هنا ليس جيدًا ووجهتي أوروبا... فرنسا بالتحديد".

يتكدس المهاجرون في المركز، الذي لم يكن معدًا لاستقبال كل هذه الأعداد، إذ يتقاسم 247 مهاجرًا 110 أسرة، بحسب المشرف على المركز المنجي سليم، الذي يشير إلى سعي إلى توسيع المكان وزيادة قدرته على الاستيعاب في ظل تمويل محدود. 

مجاعة حقيقية
تتوزع جنسيات الموجودين في المركز من جنوب الصحراء الأفريقية إلى مصر وبنغلادش. يلازم فرنسيس ليلي (32 عامًا) غرفته طيلة اليوم. يروي أنه غادر الكاميرون منذ سنتين هربًا من الأوضاع السيئة والاضطرابات في بلاده، وتوجه نحو ليبيا، حيث عمل وتعرّض للخطف، وانتهى به المطاف فوق سفينة "ساروست 5".

رفض في البداية كغالبية من كانوا في المركب، النزول في الأراضي التونسية، لكنه عاد ووافق بعدما "وعدتنا السلطات التونسية بعلاجي من الفتق الحجازي الذي أعاني منه، وتقديم العون".

رست "ساروست 5" في مطلع أغسطس في ميناء جرجيس في الجنوب التونسي بعدما رفضت كل من إيطاليا وفرنسا ومالطا استقبالها. وكانت بين الركاب امرأتان حاملان، وفقًا لبيان أصدرته منظمات تونسية غير حكومية آنذاك.

يتابع الشاب، الذي ينتظر بفارغ الصبر إجراء عملية جراحية، "يعطوننا فقط كيلوغرامًا من الأرز وثلاث علب من السردين وقارورة حليب لكل شخص لمدة أسبوع". يتابع بنبرة غاضبة "كل مرة أطلب إجراء عملية جراحية، يقولون إن الجرّاح غير موجود ويجب أن أنتظر... يكذبون".

عن الطعام، أوضح مدير المركز "نحن لا نقدم الفخامة، نقدم الطعام وفقًا لمعايير تستند إلى عدد الحريرات".

عمل غير قانوني
للمهاجرين مهلة تفكير تمتد على ستين يومًا منذ وصولهم إلى المركز، ليطلبوا اللجوء في تونس أو ليعودوا طوعًا إلى بلدانهم... لكن معظمهم لا يريدون هذا ولا ذاك، وينتهي الأمر ببعضهم بالبقاء في المركز والبحث عن عمل بشكل غير قانوني.

يمارس العديد من المهاجرين من نزلاء المركز مهنًا بسيطة داخل مدينة مدنين. ويقول المنجي سليم إن عملهم "غير قانوني"، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنهم مطلوبون في الأعمال التي تتطلب بنية جسدية قوية، مثل أعمال البناء.

يقول فرانسيس ليلي "لا يمكن لتونس أن تكون منصة استقبال مهاجرين، لأنها لا تعتني بالمهاجرين مقارنة بإخوتنا الذين يتمتعون بالرفاه، وخصوصًا الصحة في أوروبا".

توقيفات في البحر
وتعاني تونس بدورها من الهجرة غير القانونية، إذ يحاول عدد كبير من الشباب التونسي عبور البحر المتوسط بحثًا عن عمل في دول أوروبية، وهربًا من الوضع الاقتصادي الصعب. وفي بعض الأحيان، تنتهي رحلتهم بمأساة على غرار حادثة غرق مركب مهاجرين قبالة جزيرة قرقنة (شرق) في مطلع يونيو الفائت، والتي أسفرت عن مصرع 87 شخصًا، غالبيتهم من التونسيين.

تم توقيف 2659 مهاجرًا حاولوا عبور المتوسط حتى يونيو الفائت مقابل 564 شخصًا في الفترة نفسها من العام 2017، استنادًا إلى أرقام رسمية. ويقول خبراء إن دافع الهجرة مرده ارتفاع نسبة البطالة في تونس إلى 15.4 في المئة، إضافة إلى بلوغ نسب التضخم معدلات مهمة في حدود 7.5 في المئة، وتراجع عملة الدينار أمام اليورو والدولار.

أُحدث مركز الإيواء في تونس سنة 2013، ويستقبل المهاجرين الذين يصلون إلى تونس إجمالًا، إما بعد توقيفهم على الحدود التونسية الليبية خلال محاولتهم العبور إلى ليبيا سعيًا إلى الوصول إلى أوروبا، وإما بعد قدومهم من ليبيا بقصد التوجه أيضًا نحو السواحل الأوروبية بحرًا، وإما بعد إنقاذهم في البحر من غرق مراكبهم.

لسنا منصة استقبال
يوضح المشرف على المركز أن تونس ستواصل استقبال المهاجرين، الذين يتم توقيفهم أو إنقاذهم في مياهها الإقليمية، لكنه يؤكد أن "موقف الحكومة التونسية واضح، وهو أن تونس ترفض أن تكون منصة استقبال للاجئين. لا الحكومة ولا الشعب التونسي يقبلان بهذه الفكرة". 

يقول المهاجر المصري علي إبراهيم النادي (26 عامًا)، وقد كان بدوره ضمن مجموعة المهاجرين على متن "ساروست 5" بنبرة ساخرة، "الأوضاع في تونس ليست جيدة لكي نبقى. الكل يحاول الذهاب ومغادرة البلاد. نحن كذلك نريد الذهاب... يجب الخروج والعمل لكي نستطيع شراء أكل جيد".
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار