: آخر تحديث
نبش في دفاتر مرحلة مفصلية من تاريخ المغرب السياسي 

"قصص من زمن الرقابة" كتاب للإعلامي محمد البريني

187
196
173

إيلاف من الرباط: بأسلوبه الرشيق، وذاكرته الحية، وخبرته الواسعة، عاد البريني لينبش في دفاتر مرحلة  مفصلية من تاريخ المغرب السياسي، عرفت بـ"سنوات الرصاص"، مستحضرًا تلك الفترة الحرجة في جانبها المتعلق بالصحافة، انطلاقًا من تجربته المهنية الشخصية، في كتاب جديد يحمل عنوانًا موحيًا وغنيًا بالدلالات: "قصص من زمن الرقابة".

الكتاب في الأصل تجميع لحلقات، كان البريني قد نشرها في يومية "الأحداث المغربية"، التي يعتبر أحد مؤسسيها، عقب عمر ليس باليسير، قضاه في صحافة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أيام وهجها وتألقها، مثل "المحرر"، في سبعينيات القرن الماضي، و"ليبيراسيون" الصادرة بالفرنسية،  و"الاتحاد الاشتراكي"، وكلها منابر شكلت واجهة للمعارضة، التي كان يسلكها الحزب المذكور في تلك  السنوات التي اتسمت بنوع من المواجهة المباشرة مع السلطة.

شاهد على العصر
اعتبارًا لهذه الخلفية، فإن البريني كان بمثابة شاهد حقيقي على عصره، في تفاعل يومي مع كل المستجدات التي يشهدها الحقل السياسي في المغرب، في مختلف تجلياته، ورصد انعكاس ذلك كله على واقع الممارسة المهنية للصحافة، التي يحكي فصولًا من معاناتها، وكيف عاشها عن كثب، بل وكان أحد الفاعلين والمتفاعلين معها في الوقت نفسه.

في الكتاب الصادر من "دار النشر المغربية" في 112 صفحة، من الحجم المتوسط، يتحدث الإعلامي البريني عن دواعي استحضاره "حقبة التضييق على الصحافة"، من دون أن ينسى عقد المقارنة بين الأمس واليوم، كيف كان هامش التعبير ضيقًا، وكيف اتسع اليوم، إلى حد ما، وكيف أصبح الحديث عن بعض الموضوعات الحساسة عاديًا، بينما كان الاقتراب منها في الأمس مغامرة محفوفة بالمخاطر.

غلاف الكتاب

يحكي البريني عن ذلك قائلًا: "المسافة شاسعة التي تفصل بين زمان، كان فيه المرء الذي يتجول في الشارع، أو يجلس في مقهى، وفي يده جريدة معارضة يثير الشبهات، وفضول الأجهزة الأمنية والسرية والمعلومة، وزمان آخر يمتلك فيه حرية كبيرة في الاختيار بين كثرة المنابر الإعلامية، وتعدد عناوينها واتجاهاتها وميولاتها، وجرأة موضوعاتها".

تشدد الأمس وانفتاح اليوم 
يمضي الكاتب مقارنًا بين تشدد الأمس وانفتاح اليوم، حيث يقارن أيضًا بين "زمان كان فيه عدم نشر تهنئة بمناسبة عيد العرش، أو إغفال كلمة واحدة مثل عدم ذكر "الملكية" عند الحديث عن الجيش المغربي تتسببان بحجز الجريدة (تعرضت "المحرر" للحجز عام 1979 ستة أيام متتالية بسبب عدم نشرها التهنئة بمناسبة عيد العرش)، وبين زمان آخر أصبح فيه الإقدام على الدعوة إلى نظام جمهوري، أو نشر مقالات تتضمن قذفًا صريحًا في حق الملك، أو تبني انفصال أقاليم الصحراء عن وطنها المغرب لا يدخل صاحبه إلى السجن، ولا يعرّضه لأي مضايقات من النوع، الذي كان سائدًا قبل حلول العهد الجديد"، في تلميح إلى اللحظة الراهنة في ظل حكم الملك محمد السادس.

لا يفوت محبر سطور هذا الكتاب أن يذكر بأن "هذه الرقابة كانت تمارس بشكل صارم على صحف الرأي، وخاصة الصحف التي تعبّر عن الرأي  المعارض للسلطة الحاكمة"، مشيرًا إلى أن كل الصحف "كانت صحافة رأي، حتى الإعلام العمومي كان إعلام رأي ودعاية".

الرقابة واللامنطق
الرقابة، كما يصفها البريني، "لم يكن يحكمها أي منطق سياسي أو قانوني، يكفي أن يصل إلى أذن الحاكمين أن جريدة معارضة تستعد لنشر مقال أو موقف، لا يعجب دوائر القرار، حتى تتحرك آلة الرقابة، أو الحجز".

"كانت عملية الرقابة تتم قبل الطبع، يضيف الكاتب أو "الراوي"، كما يسمي نفسه، تحمل نسخة أصلية من الجريدة إلى الرقيب، وتظل تنتظر موافقته قبل تسليمها للمطبعة. قد يستغرق الانتظار ساعات طويلة، قد تمتد إلى ساعة متأخرة من الليل".

في الكتاب الكثير من الحكايات والقصص المؤلمة عن معاناة الصحافة المغربية في الماضي، وقد حملت فصوله العناوين الآتية: "الرقابة المسبقة"،        و"المحرر الأسبوعية والطرود الملغومة وأحداث مولاي بوعزة"، و"المحرر وشاه إيران وظفار"، و"الجيش المغربي هو القوات المسلحة الملكية"، و"لمهادي" (رسام كاريكاتير في "المحرر" تعرّض للاعتقال بسبب رسم ساخر)، و"الملكية البرلمانية تحجز "المحرر"، و"يوم منعت جريدة المحرر"، و"جاء الدور على الاتحاد الاشتراكي"، ورقابة الحزب ورقابة السلطة"، و"اللقاء الأخير مع إدريس البصري".

في الفصل الأخير يسترجع البريني أو "الراوي"، لحظات من استدعائه من قبل إدريس البصري، وزير الداخلية، إلى منزله، وقد كان يسعى إلى معرفة المصادر التي زودت جريدة "الأحداث المغربية" بخبر احتمال إقالته. "أقل من أسبوعين بعد هذا اللقاء، سيسقط أقوى وزير داخلية بعد أوفقير. نشر القرار الملكي بإعفاء إدريس البصري يوم 9 نوفمبر، وعيّن مكانه أحمد الميداوي".

استراحة المحارب 
يوجد البريني الآن في فترة استراحة المحارب، وقد كان إحدى القامات المؤثرة في الصحافة المغربية والمساهمين في تطويرها، والسعي إلى انفتاحها على آفاق أوسع، بعدما غادر سفينة "الأحداث المغربية"، مسلمًا المشعل إلى جيل جديد من الصحافيين، الذين استوعبوا قواعد المهنة على يديه، وتدرجوا في مراحل المسؤولية، وفي طليعتهم المختار الغزيوي، الصحافي الشاب، الذي حل محله، والذي لا ينكر أبدًا أنه استفاد كثيرًا من تجربة أستاذه البريني، قبل أن يمسك حاليًا بمقود الصحيفة في رحلة إبحارها عبر دروب الصحافة ومنعرجاتها.
 
 
 
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار