: آخر تحديث
"إيلاف" تضيء على محطات حياتها في مئوية ميلادها (2/2)

ليلى مراد تُبرِّئ نفسها من زيارة إسرائيل

82
118
85

"إيلاف" من القاهرة: مرّت أمس الذكرى المئوية لميلاد الفنانة الراحلة ليلى مراد التي من كانت أوائل نجمات السينما المصرية في أربعينات القرن الماضي وأول فنانة تحمل الأفلام السينمائية اسمها في خانة البطولة، حيث سجلته بأحرفٍ من نور رغم اعتزالها باكراً.
وتلقي "إيلاف" الضوء على جزءٍ من سيرتها، عبر مجموعة حكايات نشرها المؤلف أشرف غريب في كتابه "الوثائق الخاصة ل "ليلى مراد" الذي صدر في العام الماضي وتضمن الكثير من المعلومات عنها.


القناعة بدين الإسلام
 يرصد الكتاب قصة إسلام ليلى مراد كما روتها هى بنفسها أكثر من مرة وذكرها الكتاب. حيث تقول أنها أيقظت أنور وجدي في فجر أحد الأيام، وسألته:
"سامع يا أنور صوت الأذان".
فرد أنور دون اكتراث وهو يحاول ألا يفلت النوم من بين جفونه خصوصا أنه لم يكن قد استغرق فيه:
معقولة يا ليلى بتصحيني عشان تسأليني سامع صوت الأذان؟.. أيوه يا ستي سامع.
فبادرته بالسؤال الذي جعله يقوم من رقدته ويعتدل لها:
أنت ليه يا أنور ما طلبتش مني إنى أكون مسلمة ساعة ما طلبتنى للجواز؟
فأجاب الرجل وقد أدرك أن في الأمر شيئا:
يا ليلى يا حبيبتي أنا اتجوزتك انت لشخصك وما كانش فارق معايا انتى مسلمة أو يهودية خصوصا أن الإسلام إدانا الحق في كده، وأنا ما حبيتش أتكلم فى الموضوع ده أبدا عشان مؤمن بان دي حرية شخصية، وكل واحد حر في دينه.
فقالت له ليلى وهي في حالة من الخشوع والحسم:
أنور.. أنا عاوزة أبقى مسلمة، من زمان وأنا بافكر في الموضوع ده، وكل يوم فى الفجر أسمع صوت الآذان وأحس إنى قربت خطوة من القرار ده، والليلة دي قررت أني أكون مسلمة
فتهللت أسارير أنور، وأمسك كتفيها وهو يقول لها:صحيح يا ليلى عاوزة تبقي مسلمة؟
فأجابت والخشوع يسيطر عليها: أيوه يا أنور صحيح عن ارتياح واقتناع، وربنا يقدرني إني أرضيه وابقى قريبة منه"
وختمت ليلى مراد حكايتها مع هذه الليلة بأنها نطقت بالشهادتين فى ذلك اليوم، وقامت وتطهرت وتوضأت، وصلت مع أنور ـ على غير عادته ـ ركعتين لله، وأتبعتهما بصلاة الفجر، وعندما أشرقت الشمس استدعت فضيلة الشيخ محمود أبو العيون أحد علماء الأزهر الشريف، وكان قريب الصلة بأهل المجتمع، وأسرت إليه بما حدث، وأعادت أمامه نطق الشهادتين، وطلبت منه أن يعلمها أصول الدين الصحيح وكيفية أداء العبادات، وبالفعل واظب العالم الجليل على ذلك.
 



أدلة تثبت قناعتها بالاسلام
ويكشف كتاب "وثائق فى حياة ليلى مراد" واقعتين للتأكيد على قناعة "مراد" بالإسلام بشكلٍ كامل واعتزازها بجنسيتها المصرية. حيث استهلت في العام 1945 فيلم "ليلى بنت الفقراء" بأغنية بعنوان "يا ست نظرة" من كلمات محمود بيرم التونسي وألحان الشيخ زكريا أحمد. ولقد غنتها بمناسبة الإحتفال بمولد السيدة زينب حسب سياق أحداث الفيلم الذي أخرجه أنور وجدي. وفي هذه الأغنية تنشد ليلى وتقول "يا بنت بنت نبينا وأخت الحسين الغالي مدد يا سيدة.. عيدك ده فرحة ونصرة وعيد الإسلام"، على الرغم من أنها لم تكن قد تحولت بعد عن اليهودية واعتنقت الإسلام، بل إنها لم تكن حتى قد قررت الإقتران بأنور وجدي الذي قربها – بلا شك – خطوة نحو الدين الإسلامي والذي دخلت فيه شفهياً بعد هذا الفيلم بعام، ورسمياً بعده بسنتين.

أما الواقعة الثانية فشهدتها دار سينما الكورسال في السابع من إبريل في العام 1947، عندما قدم يوسف وهبي ــ مؤلفاً ومخرجاً – من إنتاج الأخوين نحاس، فيلما بعنوان "شادية الوادي"، الذي يقدّم معالجة لأسطورة "بيجماليون" عارضاً لحكاية الفلاحة بائعة الفجل التى يصنع منها الفنان المشهور نجمة ناجحة وسيدة مجتمع، والذي تخلله استعراض لا علاقة له بقصة العمل أو بالأحداث بعنوانه "أوبرا الأسيرة" أو "مأساة فلسطين" من تأليف أحمد رامي وألحان الموسيقار رياض السنباطي وغناء ليلى مراد وكارم محمود وآخرين، وهذا الإستعراض يسترعي الإنتباه في كثير من الأمور، ومنها أن ظهور أوبرا الأسيرة أو استعراض "مأساة فلسطين" ضمن أحداث الفيلم كان في توقيتٍ مبكر من الأحداث المتصاعدة لنكبة 1948، ليكون أول عمل فني يضع يده على الجرح الفلسطيني بل ويتنبأ بما سيحدث.

أما أهمية هذا العمل بالنسبة لـ"مراد" تكمن في أن الفيلم المعروض في إبريل 1947 كان سابقا ًعلى الإشهار الرسمى لإسلامها فى ديسمبر من العام نفسه وفق تاريخ وثيقة إشهار إسلامها، وهذا معناه أنه حينما قامت بغناء الأوبريت الذى يهاجم عصابات اليهود ويدعو إلى نصرة عرب فلسطين قبل أشهرٍ من وقوع النكبة الكبرى، لم يكن أحد يعلم بإسلامها الشفهي، وإنما كان الجميع يتعاملون معها على أنها يهودية. وعرض "شادية الوادي" فى إبريل من العام 1947. ما يعنى أن تصويره تم في الأشهر الأخيرة من العام 1946، بعد إسلامها الشفهي ونطقها بالشهادتين. وهو ما يعني أنها امتلكت الشجاعة والجرأة وفعلت ذلك رغم أن جمهورها العريض كان يعلم أنها يهودية لأبوين ضالعين فى اليهودية. وهذا معناه أن وطنيتها قد تغلبت على ديانتها، وأن انتماءها سبق عقيدتها، وأن مصريتها هي التي انتصرت في النهاية.


سفر لم يتم إلى اسرائيل
ويقول كتاب الوقائع السرية لـ"ليلى مراد" أن شائعة سفرها إلى اسرائيل خرجت بعدما نشرت صحيفة الأهرام صبيحة 12 سبتمبر 1952 خبراً جاء فيه: "منعت الحكومة عرض أفلام ليلى مراد وإذاعة أغانيها من راديو دمشق، لأنها زارت إسرائيل وتبرعت بخمسين ألف جنيه لحكومتها". وهو الخبر الذي يرى مؤلف الكتاب أشرف غريب أن الحكومة السورية استندت فيه إلى مجرد شائعة فى اتخاذ قرارها دون بذل الجهد للتأكد من صحة الخبر. علما بأن زيارة كهذه ــ لو كانت تمت بالفعل ــ لاستفادت منها إسرائيل على أوسع نطاق إعلامي، ويعرف بها القاصي والداني. لكن السلطات السورية آنذاك لم تكلف نفسها إعمال المنطق فى أمر هذه الزيارة المثيرة. فلماذا ستقوم ليلى مراد بزيارة إلى إسرائيل وهى تنوي البقاء فى مصر؟ فلو كانت مؤمنة بها لكان الأجدى أن تهاجر إليها أو تترك مصر على الأقل، وإن كانت ترغب في مواصلة مشوارها الفني بالقاهرة، فهل من المعقول المغامرة باسمها وتاريخها ونجاحها بخطوة غير مجدية كهذه، خصوصا أن أحداً لم يجبرها قبل ذلك التاريخ بخمس سنوات على التحول من اليهودية إلى الإسلام.
والحقيقة أنه حينما نشرت الأهرام هذا الخبر القنبلة كانت "مراد" فى العاصمة الفرنسية باريس، ولذلك لم تغب القنصلية المصرية فى باريس عن المشهد، وبعد أيام قام أحد موظفى القنصلية بتسليم ليلى مراد أول وثيقة مهمة كان لها دورها فى حشد أدلة براءتها طالباً منها التوقيع على الإستلام، وتتمثل فى بيان بتحركات ليلى مراد التي غادرت القاهرة في 8 أغسطس 1952، إلى مطار أورلي، ولم تغادر فرنسا حتى تاريخ صدور الخطاب المؤرخ في 17 سبتمبر من العام نفسه.

ويشير الكاتب إلى طريقة تعامل "مراد" مع الخبر المنشور بالأهرام، الذي تسبب بحالة من الإنزعاج جعلتها تتحرك سريعاً لمواجهة الكارثة. فبعد ساعاتٍ قليلة وقبل أن تفيق من الصدمة قامت بتكذيب الخبر فى الأهرام، وكذلك بادرت بالتقدّم إلى القنصلية المصرية فى باريس بطلب بيان تحركاتها هناك منذ وصولها إلى فرنسا وحتى تاريخه.
ونشرت في يوليو من العام 1958 مقالاً بعنوان "كنت فى باريس يوم 23 يوليو". وهو المقال الذي كتبته بنفسها لمجلة الكواكب، حكت فيه عن كيفية استقبالها خبر قيام ثورة 1952، وانطباعات الفرنسيين حولها ثم اللحظة التي غادر فيها الملك فاروق الإسكندرية بعد أيامٍ فى السادس والعشرين من يوليو، وهذا معناه أن ليلى كانت في فرنسا قبل الثامن من أغسطس التاريخ، الذي حددته وثيقة القنصلية المصرية.

وفي محاولة لاستجلاء الحقيقة في هذا التضارب، يشير الكاتب إلى حوارٍ تليفزيونى للمخرج الراحل يوسف شاهين أذاعته قناة روتانا سينما في العام 2005، تحدث فيه عن تصوير فيلمه "سيدة القطار" الذي لعبت بطولته ليلى مراد سنة 1952. وفي معرض حديثه عن الفيلم والتدليل على مدى التزام بطلته وإخلاصها للعمل الذي تقدمه، حكى أن ليلى اضطرت للسفر إلى فرنسا قبل أن تصور مشاهد الأم بعد أن تتقدم في السن، وبخاصة مشاهد المواجهة بينها وبين زوجها يحيى شاهين أو ابنتها التي تؤدي دورها ليلى مراد أيضا، وذلك بعد أن كان قد اتفق معها على الإنتهاء من هذه المشاهد عقب عودتها من باريس، لكن المصور عبدالحليم نصر منتج الفيلم فاجأه بأنه حجز تاريخاً لعرض الفيلم بعد أسابيع، وعليه أن يسلم النسخة النهائية في غضون خمسة عشر يوماً، وتأزم موقف شاهين وزاد تعقيداً بسبب قيام ثورة يوليو، وبات من الصعب ترتيب عودة ليلى من باريس على وجه السرعة، لكنها فعلت المستحيل وقطعت رحلتها لفرنسا وعادت بالفعل إلى القاهرة بعد عدة أيام لتمضي أسبوعا كاملاً بلا نوم في استوديو مصر حتى تنتهى من تصوير هذه المشاهد المهمة، ثم عادت إلى باريس.
ولما كان من الثابت عرض "سيدة القطار" في 18 أغسطس من 1952، فإن هذا يعني صحة رواية "شاهين"، كما يعني أن ليلى قطعت زيارتها إلى فرنسا في أواخر يوليو ورجعت إلى القاهرة لمدة أسبوع ثم عاودت السفر إلى باريس في الثامن من أغسطس استناداً إلى جواز سفرها، الذي تحققت منه القنصلية المصرية في فرنسا.

ولم يقف الفنان أنور وجدي الذي كان قد أصبح طليق ليلى مراد آنذاك، موقف المتفرّج. فبعد تسعة أيام فقط من نشر الخبر الكارثة في الأهرام، أرسل خطابا للجريدة بخط يده من باريس حيث كان يخضع للعلاج هناك، ينفي فيها الخبر، وجاء الخطاب المؤرخ في 20 سبتمبر 1952 لينهى اسوأ 9 ايام في حياة ليلى مراد.
ويؤكد الكتاب بأن أنور وجدي الذي كان على خلاف معها في ذلك الوقت وصل إلى حد الطلاق لكنه تحول لأكثر المتضررين من قرار منع أعمالها في دمشق، خاصةً أن الشراكة في شركة الإنتاج كانت لا تزال قائمة بينهما، وكان يريد بهذا الخطاب أن يبرئ ساحته، كما يبرئ نفسه أمامها من تهمة الترويج لهذه الشائعة، والتي كانت قد بدأت تتردد في الأوساط الفنية.


الصيفي
   وعلى خلفية هذه الوقائع ينقل الكاتب عن المخرج الراحل حسن الصيفي رواية عن تلك الفترة، وكان آنذاك مساعداً لأنور وجدي، والذي قال إن المتاعب الصحية بدأت في ذلك الوقت تؤرق حياة أنور، وأن الأطباء نصحوه بالسفر إلى باريس ليفحصه أحد الأطباء هناك. علماً أن "مراد" رأت من الوفاء والواجب على الرغم من حدوث الطلاق بينهما السفر معه والبقاء إلى جواره في أزمته الصحية.
ورغم التحركات الحثيثة التي بذلتها لدفع التهمة عن نفسها، واعتراف القنصلية المصرية بباريس بأنها لم تسافر لإسرائيل، فإن آثار هذا الخبر ظلت مستمرة، ولم يتم حسم مسألة زيارتها لإسرائيل تماماً، وكذلك رسالة أنور وجدي للصحف المصرية لم تكن كافية لتبرئتها من التهمة. فكانت هناك حاجة ملحة لحشد عدد آخر من الأدلة الدامغة، التي تقضي تماماً على هذه الشائعة القاتلة. فتسارعت الخطى لجمع هذه الأدلة، ومنها كشف حساب ليلى مراد في البنك العثمانى وقيمته 36149 جنيها و820 مليماً وبيان بحركة تعاملاتها المصرفية خلال الأشهر الثلاثة السابقة على طلب البيان، وكذلك حسابها في البنك العربي وقيمته 3071 جنيها و62 مليما وبيان بحركة تعاملاتها المصرفية خلال الفترة ذاتها. وقام المحاسب والخبير المالي عيسى عبده إبراهيم بإرسال خطاب دوري إلى جميع البنوك، والتي أفادت بأنه ليس للسيدة ليلى زكى مراد أي حسابات مدخرة فيها.
لكن ذلك كله كان بحاجة إلى شهادة قوية من جهة سيادية لا تقبل شهادتها الشك أو التأويل، الأمر الذي دفعها لتخاطب الكثير من الجهات الفنية للوقوف بجانبها. وعلى رأسها غرفة صناعة السينما ونقابة ممثلي المسرح والسينما اللتان بادرتا بطلب توضيح رسمي من إدارة الشؤون العامة بالقوات المسلحة حول موقف ليلى مراد من هذه الواقعة قطعا ًللشك باليقين واستجلاء للأمر تماماً. وردت إدارة الشؤون العامة بالقوات المسلحة في السابع والعشرين من أكتوبر 1952 أي بعد شهر ونصف الشهر من قرار الحكومة السورية، وذلك بخطابٍ رسمي إلى رئيس غرفة صناعة السينما مع التوصية بإرسال نسخة منه إلى نقابة ممثلي المسرح والسينما، وهو الخطاب الذي حمل دليل براءة ليلى مراد.

 

خطاب ينفي علاقة ليلى مراد بإسرائيل من القيادة العامة للقوات المسلحة بتاريخ أكتوبر 1952


ملاحظة: يمكن الإطلاع على الجزء الأول من هذا الموضوع عير النقر على الرابط المرفق إلى الشمال أعلاه تحت إشارة مواضيع ذات صلة وبعنوان "ليلى مراد تُشهِر إسلامها بعد سنواتٍ من اعتناقه".

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ترفيه