: آخر تحديث
قال لـ"إيلاف المغرب" إنه من الضروري إنشاء منظمة إغاثة عربية

خبير مصري: الحكومات العربية تدعم مواد غير صحية تستهلكها الشعوب

104
108
104

الرباط: قال محمد أنيس سالم، السفير ومنسق مجموعة الأمم المتحدة بالمجلس المصري للشؤون الخارجية، إن الدعم الذي تخصصه حكومات الدول العربية للمواد الغذائية تتحكم فيه السياسة ويخدم الاستقرار بالدرجة الأولى، مؤكدا أن المواد المدعمة تشجع الفرد العربي على نظام غذائي غير سليم.

وشدد سالم في حوار مع "إيلاف المغرب" على هامش مشاركته في مؤتمر الشراكة بين العالم العربي وأميركا اللاتينية، الذي احتضنته الرباط، أخيرا على أن العالم العربي يواجه تحديات كبيرة على مستوى تأمين حاجيات شعوبها من الغذاء، محذرا من الاستهانة بالموضوع لما يشكله من تحديات على الاستقرار.

واعتبر الأكاديمي والسياسي المصري أن الاضطرابات السياسية تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وهو ما يؤدي إلى تضرر شرائح واسعة من الفقراء وسكان هوامش المدن، لافتا إلى أن الدراسات تؤكد أن الربيع العربي الذي شهدته المنطقة أثر سلبا على اقتصادياتها، وكبدها خسارة تقدر بـ3 بالمائة من معدلات النمو.

ودعا سالم إلى ضرورة إحداث هيئة إغاثة عربية من أجل ضمان الحد الأدنى من حاجيات 30 مليون عربي في حالة نزوح أو لجوء بسبب الاضطرابات السياسية التي تعيشها المنطقة، مبرزا أن هذا الرقم يشكل أزيد من نصف اللاجئين على مستوى العالم كله.

وفي ما يلي نص الحوار:

@ حدثنا عن وضع الأمن الغذائي في المنطقة العربية؟

- المنطقة العربية تتميز بأنها مستورد كبير لاحتياجاتها من الغذاء في العالم، بل إنها تتصدر مستوردي بعض المواد، كالحبوب والسكر والزيت، فمثلا دولة مصر هي المستورد الأول للقمح في العالم. 

العالم العربي يحتاج 30 بالمائة من مجموع إنتاج القمح العالمي، وتوضح الأرقام أن الحبوب والسكر مسؤولان عن أكثر من 60 بالمائة من السعرات الحرارية التي يستهلكها الفرد العربي، ومعظم هذه الاحتياجات مستوردة. ففي الحبوب نستورد نصف احتياجاتنا وفي السكر نستورد 75 بالمائة من العالم الخارجي، فهناك اعتماد كبير وعالٍ على الاستيراد، الذي يتعرض لتقلبات أسعار شديدة، بمعنى أن سعر المجموعة الغذائية يمكن أن يرتفع بمقدار 70  بالمائة في ظرف سنة واحدة.

@كيف تنعكس تقلبات الأسعار على العالم العربي وحكومات بلدانه؟

- بالتأكيد له تداعيات، وهذا يعني أن الفئات الفقيرة تحدث لها صدمة كبيرة بسبب التأثير المفاجئ لارتفاع أسعار المواد الغذائية، وفي الوقت ذاته، سكان المدن يشعرون بهذا الارتفاع بشكل مضاعف نظرا لأن لها حساسية شديدة لدى نظم الحكم المختلفة، وبالتالي تسعى أنظمة الحكم إلى دعم السلع الأساسية والحفاظ على هذا الدعم بأي تكلفة، لأنه جزء من معادلة الاستقرار السياسي، وهذا يشكل معضلة الأمن الغذائي العربي.

@هل تعتقد بأن هذه المقاربة صحيحة؟ 

- مشكلتها أنها جزئية، لأن المفروض في معالجة سياسات الأمن الغذائي أن تكون الشمولية والربط بين سياسات المياه والطاقة والغذاء والصحة والتعليم، هذه السياسات ينبغي أن تربط في ما بينها، بحيث أننا ننظر إلى هذا في النهاية، وإذا كان الهدف هو الحفاظ على صحة الفرد، خصوصا الأفراد الأكثر ضعفا وحساسية في المجتمع كالنساء والأطفال والفقراء والمهمشين، والتي تدفع ثمنا غاليا بسبب تقلبات الأسعار. وهذا الهدف يحتم علينا أن ننظر إلى أن التكوين الحالي للسلة الغذائية العربية على أنه غير صحي.

@لماذا غير صحي؟

- لأن السعرات الحرارية التي يحصل عليها الفرد العربي مصدرها الأساسي هو الحبوب والسكر والزيت، فهي عناصر غذائية غير صحية، في حين يفترض أن تحول هذه السلة  إلى الخضروات والفواكه والمواد ذات البروتين العالي.

@هل يمثل هذا المعطى قاعدة لدى الدول العربية؟

- معظم الدول العربية عندما ننظر لتحليل مشاكل سوء التغذية، نجد في مجتمعات تتميز بالرخاء توجد مشاكل التقزم وسوء تغذية الأطفال والنساء والحوامل، وأحيانا في نفس الأسرة، توجد مشاكل السمنة والبدانة، وهذا يدل على أن السلة الغذائية مختلة خصوصا مع دخول أنماط جديدة، كالأغذية السريعة اضافة إلى غياب الحركة والنشاط الرياضي، حيث تشير الإحصاءات إلى أن الفرد العربي يقضي ساعات طويلة في مشاهدة التلفاز وألعاب الفيديو الإلكترونية، وبالتالي يميل إلى البدانة وسوء الأحوال الغذائية.

@ما الذي يجعل الحكومات تسهم في تكريس ودعم التغذية "غير السليمة" كما سميتها؟

- هناك شعور بأن الفرد العربي لديه نمط مفضل للاستهلاك، مثل استهلاك كميات كبيرة من الخبز، وهناك شعور تاريخي بأن الخبز هو سلعة سياسية في النهاية، وبالتالي ينبغي أن تتوفر بأسعار تقريبا رمزية لجميع المواطنين حتى الميسورين منهم، وهذا يؤدي إلى سوء استهلاك، ويجعلنا نسمع أن في بعض الأرياف يستعمل الخبز المدعم في تغذية الحيوانات، وهذا نتاج تشوه عملية الدعم، وأدعو إلى إعادة النظر في استراتيجيات الدعم وربطها بشبكات الدعم والحماية الاجتماعية، وربطها بمنجزات إجتماعية مثل ما حدث في أميركا اللاتينية في برنامج "إسكويلا فاميليا" التي ربطت بين أوضاع التعليم وأطفال الأسر وتقديم الدعم النقدي.

@كيف يمكن أن نقارن بين دول العالم العربي في هذا المجال؟ 

- هناك أمور مشتركة وهناك أخرى تميز كل دولة عن غيرها، بحيث أن المشترك بين هذه الدول يتمثل أساسا في أنها تعتمد إلى حد كبير على الاستيراد وبنسب عالية جدا، فمثلا دول الخليج تستورد أكثر من 90 بالمائة من احتياجاتها الغذائية، ولديها رصيد مالي يسمح لها بذلك، فمثلا رأينا قطر في الأزمة الممتدة لجأت إلى تحويل وارداتها من الغذاء إلى إيران وتركيا، لأنها تمتلك الرصيد المالي الذي يمكنها من القيام بذلك.
لكن في المقابل، هناك دول أخرى تشعر بضغوط هائلة في هذا المجال، وبالتالي البدائل المتاحة ليست كثيرة، خصوصا الدول التي تتوفر على مدن وحواضر كبرى يتركز فيها السكان مع ارتفاع نسبة الشباب، وبالتالي الاستقرار السياسي فيها يصبح مرتبطا بسعر الغذاء.

@هل أثرت أحداث الربيع العربي التي عاشتها المنطقة في 2011 على الأمن الغذائي وزادت من حدة الضغط على الأنظمة والحكومات في هذا المجال؟

- التحليلات والدراسات الاقتصادية لسعر الغذاء منذ القرن التاسع عشر ومتغيراته، في علاقته بحركات الاحتجاج والتغيير الاجتماعي سواء في أوروبا أو آسيا أو أفريقيا أو المنطقة العربية، تشير إلى وجود ارتباط بين فترات صعود الأسعار بشكل مفاجئ وبين الاضطرابات السياسية في العديد من الدول، بالإضافة إلى تأثير حالة عدم الاستقرار على إنتاج الغذاء ومعدل النمو في الدول المختلفة، وبالتالي سنجد أن دراسات كبار الخبراء لمعدل نمو الدخل القومي ينخفض بحوالي 2 بالمائة في حالات عدم الاستقرار السياسي، وإذا عرفنا أن معدل النمو في الدول العربية خلال السنوات العشر الماضية كان حوالي 1 بالمائة فقط، فهذا يعني أن الدول العربية التي عاشت اضطرابات هبط فيها معدل النمو وأصبح سالبا بدرجة.

وأكدت بعض  الدراسات الأخرى أن المنطقة العربية مثلت استثناء، وأن معدل تراجع النمو يقدر فيها بحوالي 3 بالمائة، بمعنى أنه يفوق النمط العالمي وأكثر خطورة، لأنه يعتمد كثيرا على الاستيراد، وأن حالة عدم الاستقرار العربي كانت تتميز بأنها حالة تمتد لسنوات طويلة، وتأثيرها كبير على المدنيين وفيها عنف مضاعف ولها خصائص مميزة تختلف عن باقي المناطق التي عاشت اضطرابات مماثلة كأوروبا وأميركا اللاتينية.

@هل نفهم من كلامك أن الربيع العربي كانت له تأثيرات سلبية على دول المنطقة؟

- بالتأكيد الربيع العربي في جزئية الإنتاجية، كان نتاج لحركة تغيير الأسعار بشكل مفاجئ، وفي نفس الوقت تولدت عنه تداعيات سلبية على اقتصاديات المنطقة.

@برأيك ما هي المناطق الأكثر تضررا؟

- مناطق المنازعات بالتأكيد، وبالنظر إلى الخريطة نجد أنه خلال السنوات العشر الماضية كانت هناك سبع منازعات تميزت بالحدة والقوة، وأثرت بشكل كبير على المدنيين ويمكن أن تمتد لسنوات طويلة، قد تفوق عشر سنوات. وهي منازعات يغيب عنها الجهد الكافي لحد المنازعات والإغاثة الإنسانية.

ونلاحظ أن غياب منظمة عربية للإغاثة  الإنسانية يحجم ويضعف من قدرة المنطقة على مواكبة النزاعات المتعددة فيها، وخاصة لما نجد أن المنطقة مسؤولة عن 56 بالمائة من مجموع اللاجئين في العالم، رغم أنها تضم فقط، نسبة 5 بالمائة من سكان العالم، فهذا يبين حجم الإضطراب في الإقليم والمنطقة، وعدد اللاجئين داخليا وخارجيا في المنطقة العربية يقارب 30 مليون شخص، بمعنى 10 بالمائة من مجموع سكان المنطقة العربية في حالة نزوح أو لجوء.

@ماذا عن مشكل نذرة المياه الذي تعانيه المنطقة العربية؟ 

- هذه مشكلة كبيرة بالمنطقة، لأنه في لحظة معينة الغذاء هو مجرد ترجمة للمياه، وعندما تستورد الغذاء فأنت تستورد المياه، لأن زراعته وإنتاجه في دولة أخرى جرى عبر استخدام مياهها، وفي النهاية أنت اختصرت الطريق واستوردت المياه. فدولة مثل مصر تستورد سنويا غذاء يحتوي على ما يعادل مياه نهر النيل.
وإذا عرفنا أن نصيب الفرد العربي من الماء آخذ في التناقص بشكل شديد، مقارنة مع حد الأمان العالمي الذي هو ألف متر للشخص، ففي مصر 500 متر للفرد، وفي الأردن 135 مترا، وهذا معدل خطير وغير كافٍ، فمن أين سنأتي بالمياه الكافية حتى نعالج مشكلة نقص المياه ونحاول أن نزرع.

@كيف يمكن التغلب على هذا التحدي الذي يواجه المنطقة؟ 

- سيصبح سكان المنطقة العربية 600 مليون نسمة ويطالبون بحقهم في الغذاء والتعليم والصحة والحياة الكريمة، وهذه أمور مرتبطة ببعضها البعض، بمعنى أن الطفل الذي لا يحصل على الغذاء الكافي لا يذهب إلى المدرسة، وإذا ذهب إلى المدرسة فمعدل ذكائه يكون أقل من زملائه العاديين، كما أن معدل استمراره في المدرسة يكون أقل، وهذا له تداعيات خطيرة، ولا بد ونحن نفكر في الغذاء، أن نفكر في مخرجاته في مجالات التعليم والصحة والوضع الاجتماعي.

@هل تعتقد أن مؤتمرات مثل مؤتمر الشراكة بين العالم العربي وأميركا اللاتينية الذي شاركتم فيه، يمكن أن تسهم في حلحلة المشاكل التي تواجهها المنطقة العربية؟

- نعم مفيدة، لأننا ننبه فيها إلى هذه المشكلة التي تبقى درجة الاهتمام بها غير كافية، وتبادل التجارب لأن أميركا اللاتينية فيها تجارب كثيرة مفيدة، في الأمان الاجتماعي، وقد تكون مجالات للتعاون بن الطرفين، العالم العربي يستورد من البرازيل مليار دولار من الدجاج فقط، غير الأشياء الأخرى، وهذا الحجم من التعاون يمكن أن ينتقل إلى مجالات أخرى، مثل البحث الزراعي، لأن المجال عندنا لايزال غير كافٍ، والمعدل عندنا في المنطقة العربية 0,5 بالمائة من معدل الإنتاج الزراعي، في حين المعدل العالمي ينص على استثمار 2 بالمائة من معدل الناتج الزراعي واستثمارها في البحث وتطوير الإنتاج. وهناك فجوات كثيرة في الأداء العربي نحتاج إلى معالجتها.

@نفهم من كلامك أن الموضوع ذو راهنية وإذا لم يتم تداركه يمكن أن يفرز انفجارات اجتماعية مثل ما حدث سنة 2011 في المستقبل؟

- من دون شك، نحن نتكلم عن المجتمعات العربية بمعدل النمو الحالي، في منتصف القرن سيكون 70 بالمائة من السكان مستقرون في المدن، وهذا يمكننا من رؤية الكثير من الفجوات والمناطق الفقيرة في الهوامش والمناطق العشوائية التي تحتوي على نسب مرتفعة من سوء التغذية. وهل النموذج الحالي الذي يحصل فيه 60 بالمائة من السكان على الدعم في المواد الأساسية قابل للاستمرار لما يتضاعف عدد السكان؟ وهل تقدر الحكومات على الإبقاء على هذا النموذج النقدي أم يلجأ إلى حلول بديلة؟ كيف نفكر من الآن في حلول خلاقة لمعالجة هذا الموقف؟ وأعتقد أن أولى الخطوات هو تحسين شبكة الري واستغلال المياه وهي أولوية قصوى للمنطقة، بالإضافة إلى تحسين شبكة تخزين وتوزيع الحبوب، لأن الغذاء جزء كبير منه يهدر في عملية الاستيراد والنقل والتخزين والتوزيع، وبالتالي تحسين هذه الشبكة سيمنحنا على الأقل نسبة 10 بالمائة من التوفير.

ولابد من إنشاء منظمة إغاثة عربية حتى نتمكن من توفير الحد الأدنى للمناطق التي تعيش الصراع، لأنه عندما نقضي على جيل في التعليم والصحة ندفع ثمن أن هذا الجيل يعود وينتج نفس المشاكل في المستقبل، وعلينا أن نتجه إلى استخدام العمليات المالية المتطورة والتي تمثل استثمارات مستقبلية في حجز وتأمين الأسعار في المستقبل، بحيث يضمن لك شراء المواد في العام المقبل بنفس سعر العام الحالي، وتكون محميا من تقلبات الأسعار في المستقبل، وهو نوع من السياسات الرشيدة التي تحتاج الدول العربية إلى تبنيها والعمل على تطوير سياساتها الحالية في المجال الزراعي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في اقتصاد