: آخر تحديث
فتح آفاقًا جديدة للاستثمار والتنمية في بلدان العبور

الأنبوب المغربي - النيجيري يفتح شهية المنقبين عن الغاز في غرب أفريقيا

255
300
260

الرباط: مع إطلاق مشروع أنبوب الغاز المغربي- النيجيري، عادت أفريقيا الغربية لتشد اهتمام الشركات النفطية بعد فترة فتور بسبب انخفاض أسعار النفط، والتي أدت إلى تراجع الاستثمارات في مجال التنقيب عن النفط والغاز. فالأنبوب الذي يبلغ طوله نحو 7 آلاف كيلومتر سيربط دول نيجيريا وبنين والطوغو وغانا وكوت ديفوار  وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا والمغرب، وكلها دول تتوفر على موارد غير مستغلة في مجال الغاز الطبيعي، كما تبين الاكتشافات المتتالية التي أعلن عنها في السنوات العشر الأخيرة، إضافة إلى المؤهلات التنموية خاصة في مجال الطاقة الكهربائية.

المشروع الجديد جاء كامتداد نحو الشمال لمشروع أنبوب الغاز الغرب أفريقي، والذي يربط حاليًا نيجيريا وبنين والطوغو وغانا، عبر أنبوب بطول 678 كيلومترًا مشيد في عرض البحر على مسافة تتراوح بين 15 و20 كيلومترا من الشاطئ، والذي يهدف في الأساس إلى تزويد الدول التي يربطها بالغاز النيجيري بهدف استعماله في إنتاج الكهرباء. غير أن طموح المشروع الجديد أكبر بكثير من المشروع الأصلي، ليس فقط من حيث طول الأنبوب الجديد الذي يضاعف طول الأنبوب الأصلي عشر مرات، ولكن أيضًا من حيث المشروع الإقتصادي والتجاري الطموح والمتعدد الأبعاد الذي يحمله.

فالنموذج الاقتصادي لمشروع أنبوب النفط المغربي النيجيري سيفتح المجال لدول المنطقة من أجل تثمين مواردها الغازية، ليس فقط من خلال توفير إمكانية التصدير نحو أوروبا عبر مضيق جبل طارق، حيث يرتبط المغرب بأنبوب غاز بحري مع إسبانيا، ولكن أيضا عبر إنشاء سوق إقليمية للكهرباء، والتي ستتمكن بدورها من تصدير فوائضها إلى أوروبا عبر الربط الكهربائي الذي يتوفر عليه المغرب حاليًا مع إسبانيا ومستقبلا مع البرتغال بخطوط تحت البحر. فبالموازاة مع بناء أنبوب الغاز ستمد خطوط الربط الكهربائي على طوله، وكذلك خطوط الربط بالألياف البصرية للاتصالات، حيث يتيح مشروع بناء الأنابيب فرصة لإنشاء الشبكات الكهربائية والإتصالاتية الإقليمية بأقل تكلفة.

ويعتبر توفر الغاز الطبيعي عاملاً محفزاً على التنمية في الدول التي يعبرها الأنبوب. فإضافة إلى أهميته في إنتاج الكهرباء بأقل تكلفة مالية وبيئية، يستعمل الغاز الطبيعي كمصدر رخيص للطاقة في كل الصناعات التي تحتاج إلى الحرارة. كما يدخل كمادة أولية في العديد من الصناعات الكيماوية والبيتروكيماوية، خاصة في مجال تصنيع المخصبات الزراعية، التي يتوفر فيها المغرب على تجربة رائدة عالميًا وعلى اتفاقيات استثمار مشتركة مع العديد من دول غرب أفريقيا. ويستعمل الغاز الطبيعي في هذا المجال في إنتاج الأيوريا التي تعتبر مادة أولية أساسية في تصنيع الأمونياك المستعمل في إنتاج المخصبات الزراعية.

ورغم التحديات الأمنية التي سيكون على المشروع رفعها في المنطقة، إلا أنها أقل كثيرًا من التحديات التي أفشلت مشروع أنبوب الغاز النيجيري الجزائري عبر مالي والنيجر. فالشاطئ الأطلسي للغرب الأفريقي يتميز بكثافته السكانية والحضور القوي لسلطة الدولة والأمن، بخلاف المناطق الصحراوية الشاسعة على الحدود بين مالي والنيجر والجزائر، حيث تنعدم سلطة الدولة ويغيب الجيش والأمن، تاركة المجال لتعشش التنظيمات الإرهابية التي لا تعد ولا تحصى، وعلى رأسها قاعدة المغرب الإسلامي، وأنصار الدين، والمرابطون، وجند الخلافة، والموقعون بالدماء، وبوكوحرام، من دون الحديث عن الجماعات الإثنية المسلحة والعصابات الدولية لتهريب السلاح والبشر والمخدرات والبضائع. نقطة الظل الأمنية الوحيدة التي أرخت بظلالها على المنطقة خلال الأشهر الأخيرة هي نشاط المجموعات المتمردة في جنوب نيجيريا، والتي تطالب بحصة أكبر من موارد الثروة النفطية للبلاد، والتي فتح معها الرئيس النيجيري محمدو بوخاري حواراً لإيجاد حل لمطالبها.

وتتطلع بلدان غرب أفريقيا لتصبح رقمًا بارزًا في مجال إنتاج الغاز الطبيعي في العالم، خصوصًا مع توالي الاكتشافات في عرض البحر خلال السنوات  العشر الأخيرة. ولم تعد نيجيريا، التي تعتبر أكبر منتج أفريقي للغاز، وحدها التي تحتكر لقب الدولة النفطية في غرب أفريقيا. ففي عرض البحر على طول الساحل الأطلسي لأفريقيا الغربية، من الكاميرون إلى موريتانيا، مرورًا بغانا وساحل العاج وغينيا والسنغال، اكتشفت حقول بمئات الملايير من الأمتار المكعبة من الغاز، واحتياطيات مهمة من البترول. ودخلت بعض هذه الحقول حيز الاستغلال فعليا ليشرع في تزويد الدول المعنية بالغاز الطبيعي. وشجع إنشاء أنبوب النفط الغرب أفريقي الذي يربط حاليًا نيجيريا وبنين والطوغو وغانا، وسيمتد قريبا إلى المغرب لاحقا عبر السنغال وموريتانيا، على توسيع إنتاج الغاز في نيجيريا، وأيضا على استعماله في إنتاج الطاقة الكهربائية عبر تصديره عبر البلدان الأربعة الأخرى، خاصة غانا التي تعتبر أكثر بلدان غرب أفريقيا انتشارًا للكهرباء، الذي يصل إلى 80 في المائة من السكان مقابل 54 في المائة في نيجيريا.

قبل مد أنبوب الغاز الغرب أفريقي كانت نيجيريا الدولة الوحيدة المنتجة للغاز كمادة هامشية لحقول النفط. وكان مصير الغاز النيجيري هو الحرق من دون أية فائدة بسبب غياب البنيات التحتية والمشاريع اللازمة لاستغلاله. لكن مع مد أنبوب الغاز وبناء محطات توليد الكهرباء الشغالة بتوربينات الغاز في البلدان التي يربطها خط الأنابيب، تقلصت نسبة الغاز الذي تتخلص منه نيجيريا عبر الحرق إلى نحو 20 مليار متر مكعب في 2013 ثم إلى نحو 8 مليارات متر مكعب في 2015. وبدل الحرق أصبح بإمكان نيجيريا بيع غازها لمحطات توليد الكهرباء في البلدان المشتركة في الربط بالأنبوب الغازي. وللإشارة، فإن حجم الاحتياطي النيجيري من الغاز الطبيعي يقدر حاليًا بنحو 5000 مليار متر مكعب، ويرتقب أن يتعزز باكتشافات جديدة مع النفس الجديد الذي أعطاه المشروع المغربي -النيجيري لآفاق صناعة الغاز بالمنطقة، وأن يواصل على نطاق أوسع الاندفاعة التي بدأها خط الأنابيب الغرب أفريقي، والذي أدى في البلدان الأربعة المعنية إلى ظهور بنيات تحتية ومشاريع لاستغلال الغاز حفزت الشركات النفطية على الاستثمار في التنقيب بالمنطقة، فتوالت الاكتشافات.

ففي غانا، التي كانت تعتمد كليا على الغاز المستورد من نيجيريا عبر خط الأنابيب وتعتبر أكبر مستفيد منه من بين الدول الأربعة التي يعبرها، سرعان ما أعطت أشغال التنقيب في عرض البحر في السنوات الخيرة ثمارها مع اكتشاف حقل الغاز البحري جوبيلي  في 2007، لتدخل نادي الدول النفطية ابتداءً من 2010. ويرتقب أن يبلغ انتاجها من الغاز 16 مليار متر مكعب في 2018 بفضل الاكتشافات الجديدة في مناطق توينبوا وإنينيارا وانتومي.

وفي نفس السياق، أعلن خلال مايو الماضي في السنغال عن اكتشافات مهمة في عرض البحرعلى الحدود السينغالية-  الموريتانية، على بعد 65 كيلومترًا شمال غرب داكار، وحسب التقديرات الأولية، فإن حجم الخزان يقدر بنحو 140 مليار متر مربع من الغاز الطبيعي. وجاء هذا الإعلان بعد ثلاثة أشهر من إعلان مماثل على خط الحدود الموريتانية- السينغالية، والذي قدر بنحو 500 مليار متر مكعب. وفتحت هذه الاكتشافات آفاقًا جديدة للتعاون بين البلدين.

وفي الكاميرون، جنوب نيجيريا، تم اكتشاف حقل غاز في منطقة لوغبابا تقدر احتياطياته بنحو 10 مليارات متر مكعب، وبلغ إنتاج الكاميرون من الغاز 360 مليون متر مكعب خلال 2015 بزيادة 17 في المائة مقارنة بالعام الأسبق. ويزود الغاز الكاميروني 20 منشأة صناعية في البلد ضمنها 4 محطات لتوليد الكهرباء.

وإلى الجنوب من الكاميرون، عرفت غينيا الاستوائية بدورها اكتشافات مهمة حفزتها على المضي قدمًا في تطوير قدراتها في مجال النفط والغاز. ففي يونيو الماضي، طرحت غينيا الاستوائية مناقصة دولية حول تراخيص التنقيب في 37 موقعًا ضمنها 32 موقعاً في المجال البحري. ويحدو غينيا الاستوائية تفاؤل كبير بالنظر إلى النجاحات التي عرفتها عمليات التنقيب السابقة إذ أسفر عمليات التنقيب في 114 بئرًا على 48 إكتشافًا، أي بنسبة 42 في المائة في حين أن المتوسط العالمي هو 20 في المائة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في اقتصاد