: آخر تحديث
الصناعة تتصدر الأولويات كرافد للنمو والتشغيل والإندماج الإقليمي

محمد السادس غيّر الوجه الاقتصادي للمغرب

165
166
147

بعد مخططات الإقلاع والتسريع الصناعي، يستعد القطاع الصناعي المغربي لدخول مرحلة جديدة يكتمل فيها ترسيخ صورة المغرب كبلد صناعي صاعد على الصعيد الإقليمي والدولي.

الحسن الإدريسي من الرباط: على مدى 17 سنة من حكم الملك محمد السادس انتهج المغرب سياسة إرادية في مجال التصنيع، واستطاع بناء قطاعات وفروع جديدة انطلقت من الصفر لتحتل مراكز متقدمة كروافد للنمو والتشغيل والتصدير رغم تداعيات الأزمات المالية والاقتصادية التي تعصف بالعالم. وبتزامن مع الاحتفال بعيد الجلوس السابع عشر يحتفل المغرب بدخول عالم صناعة السيارات التي أصبحت تتصدر صادرات المملكة، وولوج الدائرة الضيقة للبلدان المتقدمة في مجال الطاقات النظيفة والمتجددة، وإنجازاته في قطاعات صناعة الطائرات والإليكترونيات والصناعات الصيدلية، واحتلاله الصدارة كأول مستثمر خارجي في غرب وشمال إفريقيا.

عند انطلاق صناعة السيارات بالمغرب، مع الاستثمار الضخم لشركة" رونو "سنة 2012، كادت تداعيات الأزمة المالية العالمية وانكماش الطلب العالمي على السيارات أن تعصف بالمشروع، لانه كان في الأساس موجه للتصدير. غير أن المغرب صمد وضاعف المجهود لإقناع" رونو" بمواصلة المشروع رغم انسحاب شريكتها "نيسان". وما زال حكيم عبد المومن، رئيس الجمعية المغربية لصناعة السيارات، يتذكر تلك الفترة العصيبة. ويقول عبد المومن "كان المشروع يهدف إلى إنتاج وتصدير 400 ألف سيارة في السنة. لكن ظروف السوق لم تكن مواتية، فانطلقنا بنصف طموحنا الأصلي، أي بنحو 200 ألف سيارة كهدف".

استثمارات جديدة

وصمد المشروع رغم العواصف، وفي كل سنة يرفع مصنع "رونو "في طنجة من حجم إنتاجه وصادراته. وفي نهاية 2015 بلغ إنتاج رونو المغرب 288 ألف سيارة، بينها 59 ألف سيارة في معامل صوماكا في الدار البيضاء والباقي في طنجة. وبلغ حجم صادرات الشركة 257 ألف سيارة اي بزيادة 26 في المائة مقارنة مع سنة 2014. وتستعد" رونو "لمضاعفة إنتاجها في المغرب وزيادة حجم اعتمادها على المكونات المصنعة محليا إلى 65 في المائة عوض 30 في المائة حاليا. كما التزمت في اتفاقية جديدة مع الحكومة على رفع قيمة توريدها بالمكونات المصنعة محليا إلى 20 مليار درهم( 2 مليار دولار) .

وحول حجم قطاع صناعة السيارات بالمغرب، يقول عبد المومن لـ"ايلاف" : "اليوم لدينا نحو 150 شركة صناعية. ونخطط لاستقطاب استثمارات جديدة، خصوصا مع قرب انطلاق المشروع الكبير لمجموعة بوجو بمنطقة القنيطرة". وأضاف عبد المومن أن قطاع صناعة السيارات في المغرب دخل مرحلة اللاعودة، وحسب المشاريع الاستثمارية المرتقبة فإن القطاع بصدد توفير أزيد من 100 ألف فرصة عمل في أفق 2020.

معمل رونو في طنجة  

 

 صناعات الطائرات 

إلى جانب صناعة السيارات تمكن المغرب بمقاربة إرادية مشابهة من تطوير صناعة الطائرات التي أصبحت بدورها قطاعا بارزا على مستوى الميزان التجاري بصادرات تناهز 7.2 مليار درهم( 700 مليون دولار)  في السنة. ويقول حميد بن براهيم الأندلسي، رئيس معهد التكوين في مهن الفضاء والطيران بالدار البيضاء"انطلقنا من الصفر لنصبح قطاعا صناعيا له وزن اقتصادي واجتماعي لا يستهان به. فنحن اليوم نضم 100 شركة، بينها فروع لجميع كبريات الشركات العالمية في صناعة الطائرات. ويشغل القطاع حاليا 12 ألف شخص جلهم شباب، وكلهم من ذوي الكفاءات. ونهدف إلى مضاعفة عدد الشركات في أفق 2020 ورفع عدد العاملين في القطاع إلى 35 ألف شخص". ويضيف الأندلسي أن مخطط تطوير القطاع الذي تمت صياغته في إطار شراكة نموذجية بين الدولة والقطاع الخاص يهدف إلى رفع مستوى الإدماج الصناعي للقطاع إلى نسبة 35 في المائة في أفق 2020 ورفع حجم صادراته إلى 25 مليار درهم( 2,5 مليار دولار) . ولمواكبة هذا التطور وتوفير الأطر واليد العاملة الكفأة يخطط مهنيو القطاع إلى مضاعفة قدرات معهد التكوين في مهن الفضاء والطائرات ورفعها من 600 إلى 1200 شخص في السنة، وإنشاء معهد جديد متخصص في تكوين الأطر المتوسطة.

صناعة الأدوية 

في السياق ذاته ، تعرف صناعة الأدوية قفزة نوعية مع إطلاق المنظومة الصناعية الجديد في إطار استراتيجية التسريع الصناعي. ويقول أيمن الشيخ لحلو، رئيس الجمعية المغربية لصناعة الأدوية ل" ايلاف": "اليوم أصبحت لدينا صناعة ذات صيت إقليمي عربيا ودوليا.وإضافة إلى وقع القطاع على مستوى المبادلات الخارجية بصادرات تتجاوز 7.5 مليار درهم( 700 مليون دولار) ، فهو يساهم بحصة 65 في المائة في الاستجابة إلى حاجياتنا الوطنية من الأدوية". وحول أهداف المخطط الجديد لتطوير القطاع أوضح الشيخ الحلو أنها تتمحور بشكل أساسي حول تنويع العرض التصديري، خاصة لتلبية الحاجيات العربية والإفريقية، مشيرا إلى أن الخطط الاستثمارية للقطاع ستوفر 5 آلاف فرصة عمل جديدة في أفق 2020.

ويبقى التشغيل هدفا مركزيا في كل الخطط التنموية للمغرب. وفي هذا الصدد يقول مولاي حفيظ العلمي، وزير التجارة والصناعة والاقتصاد الرقمي ل"ايلاف": ج" كل الاستراتيجيات المعتمدة تضع التشغيل على رأس أولوياتها، تنفيذا للتوجيهات الملكية. فكل الاستثمارات والمشاريع نحرص على أن تكون النقطة الأولى فيها هي التشغيل". فالتشغيل هو ضمان الكرامة للمواطن والعيش الرغيد وإمكانيات تربية وتكوين الأجيال المقبلة  من المواطنين.

فرص عمل

في مخطط التسريع الصناعي الذي وضعته الحكومة للفترة 2014-2020 ، حددت كهدف خلق نصف مليون فرصة عمل في القطاع الصناعي. ويقول حفيظ العلمي "خلال العامين الأولين توصلنا إلى التعاقد مع مستثمرين صنعيين حول 160 ألف عمل في مشاريع محددة. وقدمت الحكومة دعما سخيا للمستثمرين الصناعيين، لكن الاستفادة منه مشروطة بإنجاز الاستثمار والتوظيف".

وحول الدعم المالي الحكومي للصناعة ، قال حفيظ العلمي أنه تم عبر صندوق دعم الصناعة الذي رصدت له الحكومة 20 مليار درهم( 2مليار دولار) . وأوضح أن التزامات هذا الصندوق لغت نهاية يونيو 2016 نحو 17.5 مليار درهم(1,7 مليار دولار) ، استفادت منها المشاريع الصناعية الكبرى بنسبة 24 في المائة والمقاولات الصناعية الصغرى والمتوسطة  بنسبة 24 في المائة والمنظومات الصناعية بنسبة 52 في المائة.

وأوضح العلمي أن التوجه الجديد في مجال التصنيع في المغرب يعتمد على مفهوم المنظومات الصناعية المندمجة، والذي يهدف إلى إنشاء نسيج صناعي مندمج ومتكامل حول أقطاب صناعية كبرى من خلال تعزيز العلاقات بين الموردين الصغار والشركات الصناعية الكبرى في إطار تعاقدي مدعوم من طرف الحكومة. ففي مجال السيارات تم إحداث 7 منظومات صناعية، ضمنها منظومة صناعة المحركات ومنظومة الكابلات والمكونات الكهربائية، ومنظومة البطاريات، والتجهيزات الداخلية للسيارات. ويقول العلمي "حتى الآن طلقنا 41 منطومة صناعية في 12 قطاعا صناعيا منها السيارات والنسيج والأشغال والطائرات والفوسفات والكيماوية والأدوية والكهرباء والبلاستيك والجلد، وما زلنا نشتغل على إنشاء منظومات صناعية أخرى. إنها ثورة صناعية متعددة الأبعاد، والتي ستغير المعادلة الاقتصادية بالمغرب".

الملك محمد السادس يدشن معمل رونو في طنجة 

 

آليات تشجيع الاستثمار

وعلى خلفية هذه الاستراتيجية تمت مراجعة آليات تشجيع الاستثمار في البلاد من أجل ملاءمتها مع الواقع الجديد والطموحات الجديدة للمغرب في مجال التنمية الصناعية. ويضيف العلمي "راجعنا ميثاق الاستثمار بشكل عميق حيث نظفناه من كل ما هو قطاعي، وحولناه إلى ميثاق عام يضم تدابير عامة تطبق على جميع أنواع الاستثمارات من دون تمييز. ثم وضعنا تحته في المرتبة الثانية وبشكل عمودي الاستراتيجيات القطاعية المختلفة، وعززناها بشكل أفقي عبر مخططات التنمية الجهوية التي تهدف إلى تحقيق التوازن في التوزيع المجالي للاستثمارات والمخططات التنموية". ولتسهيل الأمر على المستثمرين أطلقت بوابة إلكترونية متخصصة، تمكن المستثمر من معرفة كل الامتيازات المتوفرة وفقا لطبيعة مشروعه ومميزاته من حيث القطاع الذي ينتمي إليه وآثاره على النمو والتشغيل. ويضيف العلمي "نفس الشيء قمنا به بالنسبة للعقار والتشغيل. ففي مجال العقار قدرنا حاجيات مخطط التسريع الصناعي بنحو 1147 هكتارا من الأراضي. وأعددنا موقعا على الانترنت تتوفر فيه كل المعلومات حول العقار العمومي المتوفر لفائدة الاستثمار وتوزيع الجغرافي وأسعاره. وهي المرة الأولى التي تتوفر فيه هذه المعلومات بشكل مركزي ومتاح بهذا الشكل. وفي مجال التشغيل أيضا أعددنا لوائح بالحاجيات حسب السنوات والقطاعات، وذلك على أساس المشاريع المبرمجة والاتفاقيات المبرمة مع المستثمرين. ويمكن لأي شخص الإطلاع عليها. وتشكل دليلا ليس فقط للمستثمرين ولكن أيضا للأسر الراغبة في أن تتوفر لديها آلية لتسهيل توجيه أبنائها نحو المهن المطلوبة مستقبلا، وأيضا لمؤسسات ومراكز التكوين، التي سيكون بإمكانها معرفة الحاجيات الحالية والمستقبلية لسوق الشغل وتعديل برامجها على أساس ذلك".

التوجه نحو افريقيا 

ومن أبرز المحاور الاستراتيجية الجديدة التي فتحها الملك محمد السادس في المجال التنموي للمغرب التوجه الإفريقي الذي أعطاه دفعة غير مسبوقة من خلال 15 زيارة دولة في بضع سنوات على رأس وفود اقتصادية عالية المستوى، والتي مكنت الفاعلين الاقتصاديين في المغرب من اكتشاف فضاء رحب للشراكة والتعاون مقابل متاعب وانغلاق الفضاء الأوروبي التقليدي الذي يعاني أزمات خانقة. وعرفت المبادلات المغربية -الإفريقية في السنوات الأخيرة توسعا منقطع النظير بلغ أوجه في السنة الماضية حيث عرف الميزان التجاري للمغرب مع إفريقيا رصيدا إيجابيا لأول مرة لصالح المغرب. وشكلت الأسواق الإفريقية متنفسا لشركات الأشغال والشركات العقارية المغربية الكبرى التي تعاني من صعوبات بسبب التحولات التي تعرفها الأسواق الداخلية. كما شكلت الأسواق الإفريقية ملاذا لصناعة الفوسفات والأسمدة المغربية التي عانت من انخفاض الأسعار العالمية وتراجع الطلب. فارتفعت حصة إفريقيا في صادرات المغرب من الفوسفات ومشتقاته إلى 24 في المائة خلال سنة 2015 بعد أن كانت لا تتجاوز 3 في المائة قبل سنوات. غير أن هذا التوجه الإفريقي النابع من الإرادة الملكية لترسيخ البعد الإفريقي للمغرب يتجاوز سقف المصالح الاقتصادية الصرفة وحسابات الربح والخسارة ليندرج في مقاربة تنموية تشاركية تؤسس لمفهوم جديد للتعاون جنوب- جنوب. فبالنسبة للفوسفات مثلا لا تشكل القارة الإفريقية مجرد منفذ لتصريف منتجاته، بل يندرج نشاطه الإفريقي في إطار إستراتيجية مغربية تصبو لدعم الأمن الغذائي للقارة السمراء من خلال نقل التجربة المغربية في مجال الاستثمار الزراعي. وفي هذا السياق ، يدور نشاط المجمع الشريف للفوسفات حول دراسة الحاجيات وإنشاء خرائط الخصوبة والتوعية والتكوين حول استعمال الأسمدة والمخصبات والممارسات الفضلى في المجال الزراعي، عبر نقل تجربته في قوافل الإرشاد الزراعي التي أعطت أكلها في المغرب إلى البلدان الإفريقية.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في اقتصاد