: آخر تحديث
"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية

الحرب لا السلام وراء قيام الثورة الصناعية

171
198
163

هل كان شكل الحياة سيتغير لو لم تقم الثورة الصناعية؟.. سؤال حاولت الكاتبة والمؤرخة بريا ساتيا الإجابة عنه من خلال إعادة النظر في الأسباب الحقيقية لقيام هذه الثورة. فهي ترى أن الحرب هي التي تقف وراء حركة التصنيع والمكننة، وليس السلام، كما هو متعارف عليه حتى الآن.  

إيلاف: كانت الثورة الصناعية قد غيرت شكل المجتمع والحياة في الريف والمدن، وسرعت الاتصالات، وخلقت هرم طبقات مجتمعية من نوع جديد، وأسست لثقافة الاستهلاك المستمرة حتى يومنا هذا، وأنتجت ما تدعى الحداثة، وأرست أسس مفهوم جديد عن البشرية وعن العالم، وحررت الإنسان من قيود الطبيعة، وسرعت وتيرة الأيام والعمل.

بالطبع طرحت أسئلة، ووضعت دراسات لا حصر لها عن أسباب قيام هذه الثورة، وعن أسباب تمركزها في أوروبا وفي إنكلترا بالتحديد.

مرتع خصيب
ورأى أكثر المتخصصين أن السبب هو أن المؤسسات الثقافية الأوروبية شكلت مرتعًا خصيبًا لكل ما هو جديد، ومنحت أصحاب الأفكار المستحدثة محفزات كافية لتطبيقها في جو من الاستقرار والحرية لم يكن متوافرًا في أماكن أخرى من العالم.

تحولات اقتصادية ضخمة شهدتها بريطانيا عقب إنتاج البنادق

مع ذلك، هناك من شكك في هذه النظرية منذ طرحها، وحاول البعض التحدث عن أسباب أخرى، منها توافر الموارد الطبيعية والحركة الاستعمارية وأجور العمال، إضافة إلى قوانين اتخذت في تلك الفترة، دفعت مزارعين إلى هجرة أراضيهم، والتوجه إلى المدن، ليشكلوا نواة القوة العاملة الضرورية لنجاح الصناعة.

أسلحة حوّلت بريطانيا
لكن المؤرخة بريا ساتيا ترى في كتابها "إمبراطورية البنادق: الصناعة العنيفة للثورة الصناعية" Empire of Guns: The Violent Making of the Industrial Revolution أن إنتاج الأسلحة النارية، الذي كان يتم في تلك الحقبة، تحت إشراف الدولة ورعايتها، كان هو الأساس الذي اعتمدت عليه الثورة الصناعية لا غير، وهو ما حوّل بريطانيا من بلد يعتمد في اقتصاده على الزراعة التقليدية وعلى الصناعات اليدوية إلى بلد يقوم على الصناعة وعلى مكننة الزراعة.

وتطرح المؤرخة أدلة عديدة لدعم نظريتها، ومنها أن بريطانيا خاضت حروبًا عديدة، ونفذت عمليات عسكرية ضخمة على مدى عقود طويلة، لا سيما خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وأن هذا هو ما أدى إلى تطور الرأسمالية، كما نعرفها، فيما أدت الدولة دور القابلة المأذونة، التي ساعدت على ولادة النظام العالمي الجديد، حسب قولها.

بنادق وجراثيم وفولاذ
تدعم نظرية المؤرخة ساتيا رأي خبير آخر هو جاريد دايموند، الذي يعتقد أن إنتاج الأسلحة وترويض الحيوانات ومقاومة الجراثيم والحركة الاستعمارية العنيفة، كلها ساهمت في تغذية قوى العمل وضمان سوق جيدة، كما شرح ذلك في كتابه "بنادق وجراثيم وفولاذ".

لكن ساتيا تذهب أبعد من دايموند في نظريتها، وترى أن صناعة الأسلحة لم تمنح البريطانيين تفوقًا على سكان الأميركتين وأفريقيا وآسيا فحسب، بل إن إنتاج البنادق وصناعة الحروب بذاتها خلقت ظروفًا اقتصادية وتنظيمية مهدت إلى تحولات اقتصادية ضخمة.

تقول الكاتبة إن معاصري تلك الفترة كانوا يدركون هذه الحقيقة تمام الإدراك، ولكن الأجيال اللاحقة هي التي قامت بتحوير الأمور وربطت قيام الرأسمالية بالسلام.

ترابط
كان صناع يدويون، مثل النجارين وصناع الأقفال والنقاشين على سبيل المثال لا الحصر، يشاركون كلهم في صناعة الأسلحة، وهو ما كان يضمن انتشار أي استحداث أو تقنية صناعية جديدة على وجه السرعة.

تقول الكاتبة "كل العاملين في مجال التعدين، بمن فيهم الوسطاء، دخلوا في عملية الإنتاج الكثيف، فيما طوّر صانعو الأسلحة طرق لحام جديدة لبراميل الذخيرة، وحصلوا على براءات اختراع، وكان ذلك بتمويل من المؤسسة العسكرية".

وتبيّن أن هذه التقنيات الجديدة تم تطبيقها لاحقًا في مجال المكننة المدنية. فعلى سبيل المثال، اعتمد اختراع أول ماكنة لغزل الأنسجة بكميات ضخمة على يد جون ويات على مكائن قطع المعادن وصناعة الملفات. كما طبق جيمس وات تكنولوجيا خراطة تم تطويرها في مجال إنتاج المدافع في صناعة أول ماكنة بخارية.

ملابس العسكر
تشير الكاتبة أيضًا إلى أن إنتاج الملابس العسكرية نفسه طوّر الصناعة العسكرية، لحاجة الجيش إلى كميات هائلة من هذه الملابس، وكان وايلي وتني، الذي اخترع محلج القطن، صانع أسلحة نارية، وكان مرتبطًا بعقد مع حكومة الولايات المتحدة الفتية.  

بشكل عام، تعرض المؤرخة العديد من الأدلة التي تدعم نظريتها، لتثبت أن صناعة الأسلحة هي التي كانت وراء خلق العصر الحديث، على صعد عديدة ثقافية وعلمية وتنظيمية واقتصادية وسياسية.

 
أعدت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن "نيو رببليك". الأصل على الرابط أدناه:
https://newrepublic.com/article/147993/system-denial


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات