: آخر تحديث

د.رسول محمد رسول فيي "ما الفيلسوف؟": ابناً بار الوجود للمعمورة الكونية

252
251
235

في كتابه الجديد (ما الفيلسوف؟ إنسان التنوير ومفكر صباح الغد)، الصادر في بيروت (ضفاف)، والرباط (دار الأمان)، وتونس (كلمة)، والجزائر (الاختلاف) مؤخراً، يستعيد الناقد د.رسول محمد رسول دور الفيلسوف في راهننا لما له من أهمية كبيرة، بحسب اعتقاده، في ظل تفكك الواقع العربي وتشرذمه حيث الفوضى الخلاقة التي مزقت الإنسان العمران في حاضرة مأسوية نافرة الوجود.
يراهن المؤلف في كتابه هذا على (الفلسفة) بوصفها "ابنة رائعة الحضور للمشترك الإنساني العقلاني، لا ابنة الشرق فقط ولا ابنة الغرب فقط". وفي ضوء ذلك "لا يمكن للفيلسوف إلا أن يكون ويوجد كابن بار للمعمورة الكونية، والابن الحقيقي للمشترك الإنساني العقلاني".
وإذا كان رسول محمَّد رسول قد شرع ببناء رؤيته الفلسفية العقلانية منذ عام 1992، وذلك عندما نشر كتابه صغير الحجم (العقلنة.. السبيل المرجأ) في بغداد، بعد أحداث حرب الخليج الثانية، وبعد أن دمر الغرب والعرب (كلاهما) الوطن العراقي بصواريخ الموت وقنابل القتل السامة، وبعد حصار عربي/ غربي غير إنساني دام لسنوات سوداء، حيث بقي العقل غائبا وهو يترك لغريزة القتل والتجويع الفتك بالإنسان، يعود مرة أخرى في كتابه هذا (ما الفيلسوف؟) إلى إعادة الاعتبار للعقل الإنساني كقيمة راقية تسمو على كل الرغبات التدميرية والعدوانية القديمة منها والجديدة، فبالعقل يحيا الفيلسوف وبالفلسفة يحيا العقل، وبهما معاً يحيا الوجود، ومنه الوجود البشري. 
يتضمن الكتاب ثلاثة فصول نقرأ فيها أربعة عشر فصلاً بعد المقدِّمة، عاد في الأول منها إلى فيلسوف الشرق العربي في ألفيته الجديدة عبر استقراء حالة الفيلسوف في التراث العربي، وهي محاضرة تعود إلى عام 2013 كان ألقاها في أبوظبي (محاضرة أبوظبي) تحت عنوان (الفيلسوف العربي في القرن 21)، وفيها رسم معالم الفلسفة ودور الفيلسوف عبر أربعة مسارات مقترحة هي: مسار معرفي قوامه العقلانية النقدية الإنسانية، ومسار قيمي قوامه إحياء القيم الإنسانية العامة كقيمة التعايش السلمي والتواصل الحواري الحضاري والثقافي، ومسار مجتمعي قوامه إحياء ثقافة المسؤولية الجماعاتية المجتمعية غير المتعصِّبة ولا المتطرفة ولا التكفيرية ولا التبديعية، ومسار أنطولوجي قوامه الإنسان بما هو كائن أنطولوجي والمجتمع بما هو كيان أنطولوجي والعالم وكذلك السلوك الذاتي بما هما كياني ذاتي – أنطولوجي. وتلك هي المسارات التي لا بد أن يلتزم بها الفيلسوف في القرن الحادي والعشرين.
وفي الفصل ذاته، يعود بنا الفيلسوف العراقي إلى (محاضرة المستنصرية) التي ألقاها في بغداد (26 مارس 2015) هي الأولى له منذ أن غادر العراق عام 1997 نحو المنافي العربية تحت عنوان (الفيلسوف والتنوير)، وفيها يؤكد بأن أنموذج "الفيلسوف المأمول راهناً لا بدَّ له أن يستحضر إرادة الرغبة العقلية الحقيقية المقتدرة بالتنوير بعيداً عن أية ميول جهوية أو أسطورية أو خرافية متعالية"، ومن ثم تأكيده على "الحوار مع ما يجري في العالم عبر التفكر الأصيل الذي هو مصير الفيلسوف الوجودي والأنطولوجي كإنسان وهبته طبيعته البشرية القدرة على التفكير الخلاق". 
ختم رسول الفصل الأول بنص (محاضرة بيت الحكمة) البغدادي جرت في 3 مايو 2015، والتي جاءت إلى عنوان (بعيداً عن نزوة الطاووس)، أكد فيها بأن الفيلسوف لا ينبغي له أن يدع كل صور الخراب من حوله تمضي "دون مساءلة معرفية تاريخانية أصيلة تنقذه وقومه الإنساني من الاستسلام لنرجسية الذات المتعالية ضارة الأثر". ولهذا يعتقد أستاذ الفلسفة في جامعة عجمان سابقا بأن "لا بدَّ للفيلسوف من تجديد دوره على نحو متزامن مزدوج؛ تجديد دوره المعرفي الخلاق،/ وتجديد دوره الوجودي اليقظ، ومعاودة ذلك الدور بأصالة خلاقة فائقة في انهماكها التاريخاني عن طريق تبديد عزلة الفيلسوف الصامتة عمّا يجري حوله". وبذلك يتحول الفيلسوف المأمول من "مجرد كائن طاووسي مفتون بذاته وبمعرفته الفلسفية التي له دون غيره إلى متفلسف تاريخاني أصيل ينفتح على الوجود اليومي غير الاستهلاكي ليضيء دروبه".
ينصرف الكتاب، وفي فصله الثاني، إلى بسط الرؤى الفلسفية في جُملة من القضايا الفكرية والفلسفية كالإنسان والعقل والغيرية والوجود والإصلاح والمجتمع المدني. ويبدو أن هذا الفصل، وبالدراسات المكثفة الثمان التي ضمَّها، أنه يكشف عن الرؤية الفلسفية ذات المنحى العقلاني الإنساني النقدي للمؤلِّف، وهي رؤية بدأها منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين في كتابه الأول (العقلنة.. السبيل المرجأ) المنشور في بغداد.
أما الفصل الثالث فيضم ثلاثة دراسات عن منظور الفلاسفة الأوروبيين للفيلسوف، وهم: إيمانويل كانط، وفريدريش نيتشه، ومارتن هيدغر، وثلاثتهم فلاسفة ألمان نضدوا رؤاهم بشأن معنى الفيلسوف ودوره في الحياة والوجود على نحو جرئ جلي، لا سيما أنهم أسسوا تلك الرؤى وفق منظور فينومينولوجي (كانط)، ومنظور قيمي (نيتشه)، ومنظور وجودي (هيدغر). وهي المنظورات التي تنسجم مع رؤية المؤلِّف حول المسارات التي لا بد للفيلسوف العربي الالتزام بها؛ المسار المعرفي، والمسار القيمي، والمسار المجتمعي، والمسار الأنطولوجي. 
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات